يعمل الرئيس عبد الفتاح السيسي وفرقه ولجانه ومستشاروه بوتيرة تسابق الزمن لعودة مصر لمكانها الطبيعي بين الأمم بإصلاحات ومشاريع عديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحريك عجلة الاقتصاد، وتقليل فترة السنين العجاف ونسبة البطالة وتحسين الخدمات العامة والبنى التحتية الحيوية، ورفع مستوى المعيشة، ومثال على ذلك تحديد الحد الأدنى والحد الأقصى للرواتب، واعتماد منظومة الإصلاح الإداري، ووضع الأسس الأولية لإعادة تنشيط القطاع الخاص، ومشروع قناة السويس ومشروع تخزين الحبوب والسلع الغذائية والكثير من الأمور الإيجابية التي لا يسعنا ذكرها في هذا المقام، بجانب بعض الأمور السلبية بطبيعة الحال التي تحتاج لتصحيح مسار بعض الممارسات التي تحتاج مصر لوقت كاف للتخلي عنها، لأنها مبنية على إرث وأنماط سابقة متأصلة يصعب استبدالها أو إحلالها بين ليلة وضحاها أو حتى عقود، وضروة تقبل مرحلة إدارة تغيير قادمة ستعيد صياغة، وتركيبة بعض منطلقات ومسلمات المجتمع المصري. فمصر اليوم أمام مفترق طرق نحو التعافي التدريجي الجزئي وعدم الانصياع وراء الأصوات الحالمة، والدخول في معمعة الإصلاح الكلي من أجل كسب سياسي سريع وشعبية فقاعية. فالنظام لا يحل محله أو يغيره بصورة بنائية غير النظم المحكمة في النظام البديل، وليس الأشخاص، ولذلك نشيد بسياسة السيسي في الشفافية المطلقة، وعدم تمرير الوعود غير الممكن تحقيقها، واتخاذ خطوات مبدئية كبداية لركائز مهمة في خطة إصلاح شاملة. ومن المهم أن يعمل السيسي كجزء من فريق عمل أكبر لإعادة ترميم مجد مصر، والعمل بأدوات العصر واستقلال وتعظيم مصادر الدعم العربي والدولي لمصر خارج إطار النمطية، وتجنب الوقوع في فخ الدوائر المغلقة ومنظومة النخب الديمقراطية التوريثية حيث لا تملك فئة محددة لوحدها دون مشاركة الآخرين الرؤى المستقبلية المستدامة لنهضة مصر مع إيجاد مساحة ومتسعة للمعارضة والمناصحة السياسية الوطنية المسؤولة كأهم معاقل المواطنة المصرية شريطة أن تكون واعية وداعمة للوحدة الوطنية، وليست لها أجندات خاصة. ومن جانب آخر، يجب على الحكومة المصرية أن تتخلى تدريجياً عن ثقافة خلق طبقة وسطى تعتمد على الدولة لكسب الرزق، وعدم اعتبار العمل في الخدمة المدنية والشركات المملوكة للدولة حقاً اجتماعياً واقتصادياً تكفله الدولة لخريجي الجامعات، فتشبع القطاع العام بتكديس العمالة فيه، وجعل الديون أسلوب حياة وثقافة للحصول على متطلبات الحياة العصرية للطبقة الوسطى، وانتشار العدوى بين الطبقات منخفضة الدخل أضر بدول منتجة متقدمة مثل اليابان، ولذلك لا بد أن تعمل الحكومة على تحول الاقتصاد المصري تدريجياً نحو السوق الحرة، والاقتصاد المعرفي وتمكين أرباب الأعمال من رجال الأعمال الصغار وأصحاب المشاريع الصغيرة ودعمهم لتوظيف أكبر عدد من الخريجين وفق تنافسية طبيعية في الاقتصادات المتطورة ودخول الدولة المصرية في عهد الصناعة المعرفية وثورة البيانات التقنية والاستثمارات الحكومية- الحكومية، بدلاً من الاقتراض الذي يرفع أسعار السلع الأساسية والغلاء المعيشي والضغوط التضخمية وفوائد القروض الحكومية المركبة، وفي نهاية المطاف تعطيل التنمية. والأمر الآخر المهم للحكومة المصرية، هو ألا تكون هناك وزارات وهيئات ومؤسسات غنية وأخرى فقيرة على حساب الإنتاجية، والقضاء على التباين الحادة في توزيع الموارد داخل المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية ومنعها من أن تكون توريثية وفئوية، والاتجاه للخصخصة المسؤولة والسماح لموظفي القطاع العام من شراء أسهم في تلك الشركات بعيداً عن الحصحصة كحلول عملية لمسألة الحد الأدنى للأجور الذي لا يشمل العاملين في الشركات المملوكة للدولة والدوائر الاقتصادية والخدمية مثل البريد والنقل العام، مما يؤدي لنقص حاد في الكفاءة والفساد على نطاق واسع في أشكال مختلفة، ومما ينعكس على نوعية الخدمات المقدمة. فقد حان الوقت، كي يقف جميع أطياف الشعب المصري لمواجهة الثقافة العدائية تجاه المشروع القومي لبناء الأمة المصرية وتأجيل الصراعات الداخلية، ونبذ وتعرية الولاءات الخارجية والمذهبية التنظيمية في تسوية شاملة تعمل كسد متين ضد المؤامرات المحاكة ضدها، والذي بدوره يجب ألا يشتت تركيز النظام عن تأصيل جذور الدولة "الحداثية"، وتقنين الحريات دستورياً وتشريعياً، حيث إن الأمن والأمان هما جوهر الحريات في كل العصور، وهما مطلب شعبي فوق حريات جميع الأطياف بمختلف ميولها ومصالحها ولا هوادة فيه كون مصر في حرب متكاملة الأركان ضد عدو داخلي وخارجي، وليتأكد المصريون أن فشل حكومة السيسي سيضع مصر ضمن قائمة الدول الفاشلة، ولا غبار على ديمقراطية الجزرة والعصا، حتى تكتمل مكونات وأسس الأنظمة والمجتمعات الديمقراطية بروح وآليات مصرية خالصة. وليمنح المصريون الرئيس السيسي وأنفسهم فرصة لإنجاح التجرية المصرية في البيروقراطية الديمقراطية، وليكن صوت العقل الدستوري والحفاظ على الوحدة والمكتسبات الوطنية هما مصدر السلطات.