تناولت في المقال السابق الملابسات الداخلية والخارجية التي انعقدت قمة الدوحة في ظلها، وفي هذا الإطار عددت الخطوات المهمة التي اتخذتها القمة لدعم التكامل الخليجي، غير أن الحيز المتاح للمقال لم يسمح بتناول موقفها من القضايا العربية والإقليمية المهمة، وقد كان للقمة مواقفها من القضية الفلسطينية والوضع في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن، بالإضافة إلى موقفها تجاه كل من مصر وإيران، وبعض هذه المواقف ثابت ومعروف، غير أنني أحسب أن الموقف تجاه العراق واليمن ومصر يحتاج نظرة خاصة، على أن تعالج معضلة العلاقات الإيرانية بدور المجلس لاحقا. وفيما يتعلق بالعراق رحب بيان القمة بالتوجهات الجديدة للحكومة العراقية، داعياً إلى تعزيز الشراكة الوطنية لمختلف مكونات الشعب العراقي، بما يسهم في تحقيق أمن العراق واستقراره، ويساعد على تعزيز الثقة وبناء جسور التعاون في منطقة الخليج العربي، ويمكن من التصدي للإرهاب باعتباره خطراً مشتركاً على الجميع، ويتضمن هذا الموقف ثلاثة أبعاد: الأول يعني أن القمة نظرت للحكومة الجديدة في العراق باعتبارها بداية وإن كانت تحتاج مزيداً من المشاركة من كافة ألوان الطيف العراقي، بما يحقق أمن العراق واستقراره، والبعد الثاني يتمثل في أن تحقق ذلك سيعيد الوئام إلى الأسرة الخليجية التي لاشك في أن العراق عضو فيها وإن زلزلت علاقاته معها في أعقاب حدثين متضاربين: غزو العراق الكويت الذي أشار إلى أن العراق قد تحول إلى مصدر لتهديد أمن الخليج العربي بدلاً من أن يكون داعماً له، والغزو الأميركي للعراق الذي أدى إلى أوضاع سياسية مرفوضة فتحت الباب لنفوذ إيراني غير مسبوق. أما البعد الثالث فهو إدراك قمة الدوحة أن الإرهاب بات يمثل خطراً مشتركاً على الجميع، بما يبشر بأن المصالحة العراقية مع دول المجلس يمكن أن تمثل نقلة نوعية في مواجهة الإرهاب. أما اليمن فقد حظي الموقف فيه باهتمام خاص وليس هذا بغريب بالنظر إلى التطورات الخطيرة الأخيرة في اليمن والمتمثلة في الصعود السريع إلى قمة مواقع التأثير في السلطة اليمنية للحوثيين بما لا يحقق لهم فقط «حق الفيتو» الذي يتمتع به «حزب الله» في السياسة اللبنانية فحسب وإنما أيضاً السيطرة الفعلية على القرار اليمني، وما يرتبط بها من دلالات خطيرة تتعلق بالنفوذ الإيراني في اليمن. وقد أكد بيان الدوحة دعمه جهود الرئيس اليمني في تحقيق الأمن والاستقرار وبسط سيطرة الدولة وقيادة عملية الانتقال السلمي للسلطة. وأدان البيان أعمال العنف التي قام بها الحوثيون والاستيلاء على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ونهب محتوياتها وتخريبها واعتبر ذلك خروجاً على الإرادة الوطنية اليمنية وتعطيلاً للعملية السياسية الانتقالية، وطالب بالانسحاب الفوري للمليشيات الحوثية من جميع المناطق التي احتلتها وإعادة جميع مؤسسات الدولة لسلطتها وتسليم ما استولت عليه من أسلحة ومعدات. ويتسم هذا الموقف من قمة الدوحة بالصراحة والصرامة ولكن ترجمته إلى واقع قد لا تكون ممكنة في ظل الظروف الراهنة، ولذلك فإن مجلس التعاون مطالب بأن يقود مع مصر، باعتبارهما الطرفين الأكثر تضرراً من تطورات اليمن جهداً عربياً مشتركاً لإنقاذه، كما يتعين على المجلس أن يعمل على تطوير المبادرة الخليجية لتصبح ملائمة لمواجهة المستجدات اليمنية. أما مصر فقد أكد بيان القمة دعمها وبرنامج رئيسها مؤكداً مساندة مجلس التعاون الكاملة لمصر حكومة وشعباً وكذلك دور مصر العربي والإقليمي لما فيه خير الأمتين العربية والإسلامية، وهو موقف حظي بتقدير كامل من قبل الرأي العام المصري.