موغيريني: صلاحيات ومصالح أوروبية في العراق! ما يجري من قتال ومواجهات في العراق ضد تنظيم «داعش»، ليس معركة العراق وحده، بل هو كذلك معركة «العالم الحر» ضد التطرف والإرهاب. هذا على الأقل ما أكده المسؤولون الغربيون الذين زاروا العراق منذ سقوط الموصل بأيدي «داعش» في يونيو الماضي، وإلى اليوم الاثنين حيث تؤدي وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، زيارة لبغداد، تعْقُبها بأخرى لأربيل غداً الثلاثاء، توجه خلالهما «رسالة تضامن وتأكيد على أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتعزيز علاقاته مع العراق». فمن هي موغيريني؟ وما الصلاحيات والإمكانيات التي يتيحها منصبها لوضع رسالة التضامن هذه مع العراق موضع التنفيذ الفعلي؟ فيديريكا موغيريني سياسية إيطالية تنتمي ليسار الوسط، وعضو في «الحزب الديمقراطي»، وكانت نائبة في البرلمان الإيطالي، ثم وزيرة لخارجية إيطاليا، قبل أن تصبح الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي. ولدت فيديريكا موغيريني في روما عام 1973، ودرست العلوم السياسية في جامعة «لا سابينزا» بروما، ثم نالت شهادة الدكتوراه من إحدى الجامعات الفرنسية. أما بداية حياتها السياسية فتعود لعام 1996 حين التحقت بالمنظمة الشبابية لـ«الاشتراكيين الديمقراطيين» (FICL)، ثم أصبحت في عام 1999 نائب رئيس تجمع الشباب الاشتراكي الأوروبي، قبل انضمامها في 2001 لمنظمة شباب حزب «اليسار الديمقراطي»، حيث عملت مع ثلاثة من قادة الحزب: بييرو فاسينو، والتر فيلتروني، وبييرلويجي برساني. وفي الانتخابات التشريعية لعام 2008 كانت موغيريني مرشحة على قوائم «الحزب الديمقراطي» الذي تأسس في 2007 كامتداد لـ«اليسار الديمقراطي»، وكانت مستشارة رئيسه فيلتروني للسياسة الخارجية، ثم دخلت مكتب القيادة القومية للحزب في فبراير 2009 مكلفةً بملف المساواة وتكافؤ الفرص، قبل تكليفها بملف السياسة الأوروبية في ديسمبر 2013. أما داخل البرلمان فمثلت حزبها في لجنتي الخارجية والدفاع بعد إعادة انتخابها فيه عام 2013، وفي أغسطس من العام نفسه ترأست وفد بلادها بالمجموعة البرلمانية لدول «الناتو». ورغم ذلك فقد بدت موغيريني وجهاً غير معروف لكثير من الإيطاليين، حين اختارها ماتيو رينزي، في 22 فبراير 2014، لتصبح ثالث امرأة تشغل منصب وزير خارجية إيطاليا، خلفاً للسياسية المخضرمة إيما بونينو، في حكومته التي كان نصف وزرائها من النساء. ومثلت الأشهر اللاحقة فترة استقرار سياسي ملحوظ في إيطاليا، مما سمح لموغيريني بتفعيل دور الدبلوماسية الإيطالية في القضايا الإقليمية والدولية، حيث دافعت عن الشراكة عبر الأطلسي في مجال التجارة والاستثمار، وزارت العديد من مناطق الأزمات في الشرق الأوسط، كما قامت بزيارات لكل من أوكرانيا وروسيا والصين. وكانت موغيريني، ولأعوام عدّة، قد شاركت في أنشطة مناهضة للعنصرية والعداء للأجانب في أوروبا، وتبنت مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية، وأبدت اهتماماً بالإسلام عكسته أطروحتها للدكتوراه في جامعة «اكس آن بروفانس» (بجنوب فرنسا) حول العلاقة بين «الديني» و«السياسي» في الإسلام. لكن خلال زيارتها إسرائيل بعد عدوانها على قطاع غزة، في يوليو 2014، أدانت «إطلاق الصواريخ من غزة»، وأيدت «حق تل أبيب في الدفاع عن نفسها»، وإن عادت وأقرت بأن قصف إسرائيل مدرسة تابعة للأونروا في القطاع يمثل انتهاكاً للقانون الدولي. وبعد نحو خمسة أشهر فقط على تولي موغيريني منصبها، بعث رينزي (2 أغسطس 2014)، برسالة رسمية إلى رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، تضمنت ترشيحها لمنصب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. وسرعان ما حصلت على دعم الحزب الاشتراكي الأوروبي، وفي 30 أغسطس أعلن رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، أن المجلس -بعضوية رؤساء الدول والحكومات الأوروبية- قرر تسمية موغيريني ممثلا أعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، لتحل محل البريطانية كاترين آشتون، في ولاية مدتها خمس سنوات اعتباراً من فاتح نوفمبر 2014. وقد استُحدث هذا المنصب بموجب معاهدة لشبونة عام 2007، بدلا من منصب «وزير الشؤون الخارجية في الاتحاد» ضمن مشروع الدستور الأوروبي الذي أسقطه استفتاء فرنسا وهولندا عام 2005. وأصبح شاغل المنصب الجديد ممثلا سامياً للاتحاد الأوروبي في قضايا السياسة الخارجية والأمنية، يمكنه التفاوض في المحافل الدولية باسم الدول الأعضاء، وتنسيق السياسة الخارجية وسياسة مكافحة الإرهاب والسياسات الأوروبية للأمن والدفاع، كما يرأس الممثلين الخاصين ويقترح تعيينهم. لكن رغم ترؤسه نحو 3400 موظف، ورغم تقاريره إلى المجلس الأوروبي حول الحالة السياسية والأمنية، فهو لا يتصرف في أية قوة عسكرية أو أمنية يمكنها التأثير على مجريات الأحداث في مناطق الأزمات، كما هو الحال في العراق حالياً. لذلك تبقى أهمية التعاون بين العراق ومفوضية الاتحاد الأوروبي، أهمية محدودة، وقد تفوقها أهمية التعاون العراقي مع دولة أوروبية واحدة مثل فرنسا أو بريطانيا. وربما يتضح هذا من بيان المكتب الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي حول زيارة موغيريني للعراق، حين ذكر أن الاتحاد قدّم مساعدات إنسانية بقيمة 20 مليون يورو للعراق، و«مستعد لتقديم مزيد من الدعم لمساعدة البلاد في مكافحة التطرف العنيف». هذا، ويمثل العراق أهمية خاصة لأوروبا الراغبة في تنويع مصادر وارداتها من الطاقة، خاصة في ظل الخلاف المتصاعد مع روسيا. وإن وصف نوري المالكي اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع العراق في أبريل 2008 بأنها «النفط والغاز مقابل بناء العراق ودعمه في مكافحة الإرهاب العالمي»، فثمة خلافات أوروبية داخلية حول السياسة المتبعة حيال العراق، سيتعين على موغيريني بذل مزيد من الجهد لتجاوزها، مستخدمة كل صلاحياتها، حتى يكون لوجودها في بغداد اليوم وفي أربيل غداً ذلك الأثر المطلوب لدى الدوائر الأوروبية في بروكسيل! محمد ولد المنى