لا يخفى على أحد أن معظم أزمات الأمة وهمومها وفتنها وهزائمها، وغلو بعض ناسها، تعود إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، الأرض العربية المسلمة، التي تعاقب عليها الأنبياء والرسل، وكانت مهداً لعيسى عليه السلام، وفتحها عمر رضي الله عنه لتكون أرضاً عربية إسلامية اختارها الله وقدسها لتكون مسرى سيد البشر عليه الصلاة والسلام. وإصرار إسرائيل على تدنيس المسجد الأقصى، رغم مرابطة أهله، يكشف صورة هذا المحتل الغاضب المدعي بتاريخه الكاذب، فهنا تأتي مشاعر متراكمة تجاه هذه القضية التي لم يتفق العرب بعد فيها على طريقة لإنهاء الاحتلال. فكل الإخفاقات والهموم مردها إلى شعور بمأساة فلسطين منذ حرب 48 إلى يومنا هذا، واليوم عندما يشكو الواقع الفلسطيني والعربي من تعقيد الوضع وممارسات الاحتلال في فلسطين، فعليه أن يستوعب نتائج سياسته غير الفعالة تجاه إسرائيل، وزاد الأمر تعقيداً عندما تعامل مع خيارات سياسية غير مجدية بدلاً من تعزيز دور جهات المقاومة السلمية وتأسيس أحزاب تضمن في فكرها وهدفها التركيز على مقاومة الاحتلال. لقد ضاق الفلسطيني ذرعاً بسياسة التردد السياسي وعدم فاعلية الموقف العربي الذي يبدو وكأنه آثر أن يدخل تاريخ التنازل عن وطنه دون استراتيجية سابقة، أو تفسير منطقي، لحجم الممارسات العميقة التي يقدمها لأصحاب قضية باتت إيقونة عالمية للحرية، والتحرر من الاحتلال الغاضب. وإذا كانت الأعذار متعلقة بلعبة السياسة، فإن الموقف الفلسطيني والعربي لم يحافظ على قوة هذه اللعبة، وبمعنى أكثر دقة لم يلعبها بشكلها الدقيق المؤدي إلى نتائج مرْضية وعادلة لشعب يعاني منذ ستين عاماً من الاحتلال. لم يعد هناك أي طريق آخر أمام الموقف العربي سوى نصره الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، وهو أمر لا يساوم عليه وغير قابل للمزيد من التنازل غير المبرر. فهل سينقذ النظام الإقليمي العربي نفسه أم سيبقى في مهب قسوة أحكام التاريخ لتأخذه بعيداً نحو خانة التفريط في قضية عادلة ترنو إليها أفئدة الشعوب العربية جميعاً، ودون استثناء؟