سخر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مؤخراً من تحرك المشرعين الأميركيين نحو فرض عقوبات اقتصادية جديدة على بلاده، قائلاً: «إن 80% منهم لم يغادروا الولايات المتحدة». وعلى رغم أن سخريته ليست سوى تصريحات فظة وربما غير دقيقة، إلا أن لديه وجهة نظر تستحق النظر. وعلى غير المعتاد، تتجه الولايات المتحدة إلى السماح لمشرعيها بالتدخل في تفاصيل صياغة السياسة الخارجية، إلى أبعد من الإشراف والموافقة على إعلانات الحرب. ويبدو تقنين تفاصيل السياسة الخارجية فكرة جيدة، ومن المفترض أن يجعل العملية أكثر ديمقراطية ويفرض قيوداً على الرئيس، ولكن في معظم الحالات لا يمضي الأمر على هذا النحو، ففرض هذه القيود قد يقوض المصالح القومية، ويخيب أمل شركاء أميركا. ويرجع ذلك إلى أن إدارة السياسة الخارجية تبدو مثل لعبة الشطرنج، فعلى اللاعب أن يتوقع تحركات عدد من القطع على الجانب الآخر من الرقعة، ومن ثم يفكر في حزمة من الحركات الاستباقية. وفي كل حركة، يتغير الوضع على جبهات متعددة. ولنفكر على سبيل المثال في تقاطعات السياسة الأميركية في سوريا، والمفاوضات النووية مع إيران، والعلاقات مع روسيا. ويلعب الرؤساء الأميركيون عادة هذه اللعبة مع لجنة تشرف على تحركاتهم. ومن حين إلى آخر، تسعى اللجنة إلى التحرك بمفردها أو لمنع استخدام قطع معينة على رقعة اللعب. وعلى رغم أن بعض أعضاء اللجنة مؤهلون بشكل كبير، إلا أن كثيراً منهم أيضاً ليس لديهم قدر كبير من الإدراك للعالم، وإنما تدفعهم فقط مخاوف ناخبيهم في الداخل. ومثلما أوضح «لي هاميلتون»، الرئيس الأسبق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: «إن الكونجرس يلعب دوراً غير مفيد في السياسة الخارجية عندما يعكس المصالح العرقية، وينخرط في إجراءات مثيرة للشقاق السياسي بشأن السياسة الخارجية، موجهاً انتباهاً ضئيلاً لمتطلبات حماية وتعزيز المصالح الوطنية الأميركية الواسعة». والأسوأ من ذلك أن العملية التشريعية يمكن أن تؤخر رسم السياسات. وعندما يتم اتخاذ خطوة يكون التوقيت قد أصبح غير ملائم. وبمجرد اتخاذها، يصعب إلغاء قرارات السياسة الخارجية الصادرة عن الكونجرس. ولنأخذ روسيا على سبيل المثال، فالولايات المتحدة وأوروبا تحاولان إدارة الأزمة بشأن عمليات الاجتياح الروسية شبه السرية للأراضي الأوكرانية. وتعتمد سياستهما على العقوبات، وإلى حد ما كان لها تأثير لأن الولايات المتحدة كانت تنسق عن كثب مع الاتحاد الأوروبي، بصفته المستثمر والشريك التجاري الأكبر لروسيا. ويريد عدد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب أن يتحرك الرئيس أوباما بصورة أسرع. ولذا فقد مرروا تشريعاً يدعو إلى فرض عقوبات جديدة على روسيا، ومعاقبة المؤسسات المالية الأجنبية التي لا تلتزم بهذه العقوبات الجديدة، وإرسال أسلحة أميركية إلى أوكرانيا. وقد تمت الموافقة على هذا القانون بـ«الإجماع» في مجلس النواب، من دون نقاش مساء يوم 11 ديسمبر الجاري. واستغرقت العملية خمس دقائق، ولم يكن بالضرورة جميع النواب حاضرين في ذلك الوقت، ومن ثم فهو لا يعبر عن الشعب. وعلاوة على ذلك، لا يبدو القانون أيضاً مفيداً، فإرسال أسلحة أميركية لقتل قوات روسيا في أوكرانيا فكرة سيئة، كما أوضحت من قبل. ودول الاتحاد الأوروبي التي تقيم علاقات تجارية مع روسيا ستتضرر من العقوبات، ولن تحبذ فكرة معاقبة بنوكها ما لم تطبق العقوبات الجديدة التي تم فرضها من دون موافقة أوروبية. ولعل هذه طريقة جيدة للقيام بعمل بوتين نيابة عنه، وغرس بذور الشقاق بين أوروبا والولايات المتحدة. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»