أعادت السلطة الفلسطينية طرح قضية الدولة المستقلة، أمام مجلس الأمن. وتُهدّدُ الولاياتُ المتحدة كالعادة باستخدام الفيتو للحيلولة دون الخطوة الأُولى باتجاه الدولة الموعودة. ما غابت قضية فلسطين عن أروقة الأُمم المتحدة منذ عام 1948. وكانت تُعرض بحدّ ذاتها أو في ارتباطٍ بالحروب الإسرائيلية على الدول العربية الداعمة للفلسطينيين. ولاشك أن اتفاقية أوسلو 1993 كانت محطة فاصلة في مسار القضية، لأنها نقلت النضال الفلسطيني إلى الداخل. بيد أن التقدم الأوَّلي (1993- 1995) من أجل إقامة الدولة على حدود 1967، توقف باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين. ومنذ ذلك الحين جرت عشرات الجولات من المفاوضات، وتواصل القتل والاستيطان والاعتقال، فضلا عن بناء الجدار الفاصل، والمضيّ في تهويد القدس، والاستيلاء على المسجد الأقصى، وعدة حروب على غزة.. إلخ. نذكّر بذلك هنا، لربط هذه الأحداث الفاجعة بالثالوث القَدَري: إسرائيل+ الولايات المتحدة+ الفلسطينيون. فمنذ ما قبل أوسلو، وفي محاولات العرب لتحقيق سلامٍ عادل، وفي ظل اختلال النظام الدولي لصالح الولايات المتحدة، جرى اللجوء إلى أميركا باعتبارها «الوسيط النزيه» لحلّ النزاع عبر إزالة الاحتلال وإقامة الدولة، من خلال التفاوض وليس الحرب. وكما تغير المشهد الإسرائيلي بمقتل رابين، تغيّر المشهد الفلسطيني أيضاً. الإسرائيليون اتجهوا بعد رابين نحو اليمين المتطرف، وعنى ذلك الاتجاه للاستيلاء على الضفة والقدس. والفلسطينيون انقسموا حول «أوسلو»، فعارضها الإسلاميون باستخدام العنف الانتحاري ضد الاحتلال، وصولا إلى استخدامه ضد السلطة الفلسطينية، والانفراد بغزة عام 2007. في إسرائيل علا شأن شارون فنتنياهو، وفي الجانب الفلسطيني وقف مشعل وهنية في مواجهة عباس. لقد ظلت «شبهة» النزاهة قائمةً أيام بيل كلينتون، وتضاءلت بحدوث تفجيرات 11 سبتمبر 2001. فقد شنت إدارة بوش الابن حرباً عالمية على الإرهاب، اعتبرت فيها إسرائيل حليفاً قريباً، وازداد الشلل العربي والانقسام الفلسطيني، واختفى جيلٌ من القادة العرب. ودخلت إلى أراضي وسياسات المشرق العربي (صار اسمه الشرق الأوسط!) كلٌ من إيران وإسرائيل وتركيا في تنافُس وتصارُع محبَّب وليس عدوانياً فقط! إن أجواء الضعف والانقسام العربي من جهة، والاستئساد الإسرائيلي والأميركي والإيراني من جهة ثانية، ما تغير شيء من ذلك في أيام أوباما. فإدارة بوش في سنواتها الأخيرة، أحسّت بأن عليها فعل شيء غير الحرب تمهيداً للخروج، أما إدارة أوباما، فما كان عندها التزام بأي شيء، باستثناء التأكيد بأن الولايات المتحدة ما عادت تريد التورط في حروب بالمنطقة العربية الإسلامية باستثناء مكافحة الإرهاب. وخلال أكثر من خمس سنوات كان الاهتمام الظاهر من الإدارة بالتفاوض في كل المسائل، في فلسطين وغير فلسطين. ولأن الإسرائيليين شعروا بأنهم ليسوا بحاجة لتقديم أي شيء من أجل السلام، بسبب الانقسام الفلسطيني والضعف العربي؛ فإن التفاوض لم يكن مُجْدياً، ولم يعد له هدف غير تأجيل الملفات إلى أن يصبح الحل السياسي مستحيلاً بالاستيطان وبالحرب! وعلى أي حال، وبعد رواية مجملات القصة، اتجه الفلسطينيون قبل ثلاث سنوات في شبه تمرد (محبب أيضاً!) على الإدارة الأميركية، إلى الأُمم المتحدة ومجلس الأمن. وما نجحت الجهود أمام مجلس الأمن من قبل. لكنهم نجحوا في الأُمم المتحدة وحصلوا على صفة «عضو مراقب»، مما أتاح لهم عضوية وكالات الأمم المتحدة الأُخرى. والفارق اليوم، أن هناك إقبالا من الدول الأوروبية، بعد دول أميركا اللاتينية، على الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو إظهار الاستعداد لذلك. والعرب يقفون مع عباس، ويجددون طرح المبادرة العربية للسلام. لكن الموقف الأميركي القائم على عَلْك التفاوض واجتراره، لم يتغير، وهذا يعني أنه حتى لو حصل الفلسطينيون على تسعة أصوات كافية للعرض على مجلس الأمن، فإن الفيتو الأميركي ينتظرهم على التقاطع القادم.