إنْ كان اتساع أي دولة عربية جغرافياً وزيادة مساحتها ثلاث مرات نعمة، فربما كانت لبنان في مقدمة هذه الدول، فحتى قبيل الحرب العالمية الأولى 1914 «لم تكن تتعدى مساحة أراضيها 3500 كيلومتر مربع، كما كان عدد سكانه نحو نصف مليون نسمة فقط، ويحكمه حاكم مسيحي يعينه الباب العالي لمدة محدودة بموافقة الدول الأوروبية ذات النفوذ السياسي في منطقة الشرق الأوسط، وقد كان لهذا الحاكم حق الاتصال المباشر باسطنبول ومركزه الصيفي في «بيت الدين»، في حين يستقر الحاكم في بعبدا خلال فصل الشتاء، وخلال تلك الفترة كان لبنان يتألف من ثمانية أقضية تتمثل في دير القمر والشوف والمتن وكسروان والبترون والكورة وزحلة وجزين». ولكن بعد أن وقعت بلاد الشام تحت الانتداب الفرنسي يضيف د. حسن أبو العينين، أستاذ الجغرافيا في جامعة الاسكندرية «أعلن الفرنسيون قيام دولة «لبنان الكبير» وذلك في أول سبتمبر عام 1920، وضمت فرنسا إلى مساحة الأراضي اللبنانية السابقة الذكر مناطق جديدة شملت ولاية بيروت، وأقضية طرابلس وبعلبك ومرجعيون وصيدا، وألفت جميعها من أراضي لبنان القديمة ما عُرف باسم لبنان الكبير، وأصبحت جملة مساحة أرض لبنان اليوم نحو 10170 كلم مربع». عرفت لبنان رغم سحرها وجمالها ورقة تراثها الفني كوارث طبيعية وبشرية وسياسية ولاتزال لسوء الحظ، فقد انتابت البلاد خلال فترة الحكم الروماني مثلاً، زلازل عنيفة، كان أشدها دماراً زلزال عام 551 ميلادية، قبل نحو 15 قرناً من الزمان، وأدى إلى مصرع أكثر من ثلاثين ألفا من سكان البلاد. ولم تكن لبنان ضحية للعوامل السياسية والطبيعية وحدها، بل حملت إليها حتى الاكتشافات الجغرافية.. الكوارث. فقد ساءت الأحوال الاقتصادية للبلاد خلال الحكم العثماني، يقول د. أبو العينين، «وخاصة بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح ومرور السفن التجارية حول سواحل القارة الأفريقية، وهكذا تحولت الطرق التجارية فيما بين أوروبا وجنوب شرقي آسيا عن الطرق البحرية والبرية التقليدية عبر أراضي الشام ومصر إلى الطريق الملاحي الجديد حول قارة أفريقيا»، وبهذا الاكتشاف الجغرافي العظيم الذي سهل الاتصال والتواصل بين المشرق والمغرب واستفاد منه الأوروبيون أيما استفادة بدأت في لبنان «حكاية الرحيل». خلال تلك الفترة حتى بداية القرن العشرين يقول د. أبو العينين«اضطر كثير من اللبنانيين الهجرة من لبنان إلى أراض جديدة باحثين عن مناطق يمكن أن يعيشوا فيها بسلام واطمئنان». وقد عرف اللبنانيون الهجرة منذ العهود الفينيقية الغابرة كما تتحدث عنها كتب التاريخ، ولكن هجرة اللبنانيين هذه، هروباً من الحكم العثماني والفقر كان مختلفاً، «ذلك لأن الأولى كانت بقصد فتح أسواق تجارية جديدة في حوض البحر المتوسط، في حين كانت الثانية بقصد الهرب من البطش والاضطهاد، ونتيجة لسوء الأحوال الداخلية» منذ سنوات ولبنان بلا رأس. والحقيقة أن رائدة الفكر والتنوير في المشرق العربي بحثت مطولاً خلال المئة سنة الماضية عن رأسها، فقد تطوع البعض في الداخل والجيران العرب والتيارات المختلفة، التفكير نيابة عنها بعد أن نجحوا في إقناع الكثير من اللبنانيين المسيحيين والسُنة والشيعة، أنهم ليسوا بحاجة إلى رأس متصل ببدنهم، وهكذا وقعت البلاد في أول نهوضها وريعان شبابها ضحية للمسيحية السياسية والعروبة السياسية والتشيع السياسي.. ثم آن الأوان لأشد الإسلاميين السلفيين تطرفاً لأن يجرب حظه في اجتزاز رؤوس اللبنانيين، واختطاف الجند، وابتزاز النظام السياسي برمته. ها هي تقول صحافة لبنان، صرخات أهالي هؤلاء العسكريين المفجوعين والجالسين على الأرصفة بانتظار القتيل المقبل من أبنائهم تدوي عبر الشاشات «ما عِنا دولة»، نحن بلا دولة ورأس، وتطالب أهل الحكم في لبنان بأن يفعلوا شيئاً، أي شيء، كما يستغيث معهم الكاتب «إلياس حرفوش» في صحيفة الحياة 9-12-2014 «لايقاف هذه المذبحة المفتوحة التي لم تعد مذبحة للعسكريين وحدهم، بل صارت مذبحة للوطن وكرامته وما تبقى من معنى لسيادة دولته على أرضها». لبنان البائس الممزق يكاد يعجز عسكرياً وسياسياً أمام هذه العصابات الدموية التي اجتاحت فرقها المشرق برمته حتى لم يبق شام أو عراق، فماذا سيفعل لبنان المسكين؟ كاتب ومفكر- الكويت