ما كان يدور سراً من خلافات بين دولتي السودان وجنوب السودان أصبح بالأمس أمراً معلنا – على الأقل من جانب مسؤولي الدبلوماسية السودانية. ونقلاً عن ما أورده المركز السوداني للخدمات الصحفية على لسان الناطق باسم الخارجية السودانية، والذي أعلن فيه مطالبة دولة جنوب السودان بالقيام بخطوات جادة وفورية لوقف إيواء ودعم الحركات السودانية المتمردة، مكررا القول بأن دولة جنوب السودان لاتزال مستمرة في دعم الحركات المتمردة مادياً ولوجستياً، الأمر الذي يتنافى مع روح المبادرات وحسن النوايا المطلوبة للدفع قدماً بالعلاقات بين البلدين في مسارها الصحيح، وأن مصلحة البلدين لابد أن تقوم على أهداف واضحة وصريحة لحماية استقرارهما. وقال المتحدث باسم الخارجية السودانية إن الحكومة تمتلك كل المعلومات الموثقة حول هذه الخروقات داعياً دولة الجنوب إلى المحافظة على العلاقة والالتزام بالوعود التي قطعت بشأن وقف الدعم لهذه الحركات لا سيما وأن هنالك اتفاقيات للتعاون المشترك بين البلدين وشدد على إكمال بنود الترتيبات الأمنية التي ستساعد الطرفين على تحقيق السلام والاستقرار وبناء الثقة. الخرطوم من جانبها سبق وحذرت جوبا من خطورة ما تسميه «دعم جوبا للمتمردين»، واعتبرته أمراً غير مقبول ويعرض علاقاتهما لأخطار شديدة بينما كانت جوبا - حسب الرواية السودانية - قد وعدت بضبط الأمور إلا أن الحرب والاقتتال الدائر في الجنوب ومآلاته لم تمكنها من إحكام قبضتها على شركاء الأمس من رفاق «الحركة الشعبية»، ووعدت بمعالجة الأمر، لكن يبدو أن صبر الخرطوم بدأ في النفاد خاصة مع فشل اللجنة المشتركة في اجتماعهما الأخير لترسيم الحدود بين البلدين. وقد دعا مجلس الأمن الطرفين إلى عقد اجتماع اللجنة الأمنية على مستوى عالٍ في أقرب وقت ممكن، ودعا أيضاً الجانبين إلى التنفيذ الكامل لآلية مراقبة الحدود المشتركة، وجدد دعوته إلى الخرطوم و«الحركة الشعبية» للمشاركة في الجولة المقبلة من المباحثات في يناير المقبل دون شروط والعمل على التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع في المنطقتين بمقتضى قرار مجلس الأمن رقم 2046. أمر مؤسف أن تسوء علاقات الشمال والجنوب السوداني إلى درجة دعت البعض إلى التهديد بملاحقة الحركات المسلحة داخل حدود دولة «جنوب السودان»، وحسم الأمر بقوة السلاح، إن لم تكف جوبا عن دعم وإيواء المتمردين! إذن هو فصل جديد من بوادر أزمة سياسية بين دولتين لديهما من المشاكل والأزمات الداخلية مايكفيهما ويزيد. هذه المرة على خلفية ما تراه الخرطوم بأنه دعم لوجستي تقدمه جوبا للحركات المسلحة، ما قد يزيد من تعقيدات الملفات الشائكة والمعلقة بين البلدين ويقف عائقاً أمام تفعيل التفاهمات السياسية التي تمت مؤخراً بين الخرطوم وجوبا. وبصرف النظر عن هذه الأصوات التي تسعى لتأجيج نيران الفتنة والحرب بين الجارين اللدودين، فإن شعبي البلدَين لم يعد في مقدورهما تحمل المزيد من تبعات النزاع والخلاف المستمر، الذي كلفهما الكثير من الدماء والأرواح وعصف بآمال الوحدة. يجب على السودان أن يقدم يد العون لأشقائه في تجاوز صراعاتهم وانقساماتهم القبلية بدلاً من التهديد والوعيد، وفي الوقت نفسه لابد أن تتخذ دولة الجنوب خطوات جادة في إقناع حلفائها من الحركات المسلحة بضرورة التوصل إلى تفاهمات سياسية، تنهي مسلسل الحروب والمواجهات الدامية، التي زادت من معاناة المواطنين المتأثرين بالنزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. السودان ودولة جنوب السودان من الأكثر الدّول معاناة وتعيش شعوبهما مذلة الفقر والجهل والمرض والتشرد بسبب تلك النزاعات والحروب التي تدور هنا وهناك، وتكون سبباً لتدخلات أجنبية مباشرة وغير مباشرة، ستعرض السودان شمالاً وجنوباً لفقدان السيادة الوطنية. كاتب سوداني مقيم في كندا