يمكن اعتبار الهند وروسيا دولتين حليفتين في عصر الحرب الباردة الجديدة، وبالرغم من متانة العلاقات بينهما إلا أنها شهدت بعض التوتر مؤخراً، وفيما كانت الهند تعتمد بشكل شبه تام على روسيا للحصول على الأسلحة الثقيلة، إلا أنها تحاول منذ عامين تنويع مصادر مشترياتها منها، وباتت تتطلع إلى دول مثل إسرائيل والولايات المتحدة لتعويض عدم كفايتها من السلاح الروسي. ومن بين المشتريات الجديدة، اختارت الهند المقاتلة القاذفة «رافال» التي تنتجها شركة «داسو» الفرنسية، والهليكوبتر القتالية الأميركية «أباتشي». وبالرغم من أن نيودلهي وموسكو تعملان على إعادة العلاقة بينهما إلى طبيعتها، فإن هذه العلاقة مرت مؤخراً بفترة «اختبار»، وعبرت الهند عن غضبها من روسيا بسبب تزويد باكستان بطائرات هليكوبتر مقاتلة، مع أن روسيا سبق لها أن تعهدت بعدم بيع الأسلحة والمعدات العسكرية التي يمكن استخدامها ضد الهند لباكستان. ومع كل هذا التوتر الذي يطغى على العلاقة بين البلدين، إلا أن زيارة بوتين الأخيرة إلى الهند لحضور القمة الروسية- الهندية السنوية مثلت بادرة جديدة لإعادة الدفء المفقود، خاصة وأن هذا الهدف يتطابق مع سياسة الهند الجديدة لتحسين العلاقات مع الدول الأجنبية. وأثناء زيارة بوتين، وقع الطرفان 20 اتفاقية في حقول مختلفة، وبرز الاهتمام من جديد بالتعاون النووي باعتباره يمثل المجال الأكثر أهمية للتعاون بين الدولتين، ووعدت روسيا أيضاً بمساعدة الهند على بناء 10 مفاعلات نووية إضافية. وتحتل روسيا مكانة خاصة في العلاقات الدولية الهندية، وكانت روسيا هي الدولة الوحيدة التي ساعدت الهند على بناء المفاعلات النووية في ولاية تاميل نادو الجنوبية على الرغم من أنها عرضت نفسها للعقوبات الدولية بسبب ذلك، وكانت الهند بدورها قد تعرضت لعقوبات نووية عقب تنفيذها لسلسلة من التجارب النووية عام 1998. وخلال السنوات الأخيرة، تمكنت من تجاوز تلك العقوبات، بعد انضمامها إلى «مجموعة الدول المستوردة للتكنولوجيا النووية» ولتفتح بذلك باب التجارة العالمية بها، وبناء على هذه الحقائق، كان من المتوقع أن يحتل التعاون النووي بين البلدين رأس قائمة الموضوعات التي بحثها الرئيسان. واتفق الطرفان على الإسراع في تحديد موقع ثانٍ في الولاية الهندية ذاتها لبناء سلسلة من المحطات النووية. وفي حقل التعاون النووي بالذات، لم يكن هناك إلا القليل من التحرك لبعض الوقت بسبب القانون الهندي الصارم الذي يضع شروطاً ومتطلبات قاسية مع الممونين بالمعدات النووية في حالة وقوع الحوادث، إلا أن البلدين عملا معاً على تجاوز الخلافات بينهما حول هذا القانون، وكان رئيس الوزراء الهندي الجديد ناريندرا مودي الذي حرص على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، بالغ الوضوح عندما أعلن أن روسيا ما زالت تحتل موقع الأولوية في سياسة الهند الخارجية، ويمكن القول: إن الدولتين كشفتا عن رؤى مشتركة للتعاون في العقد المقبل. ويبدو بوضوح بأن هناك حاجة ماسة لتغيير الطريقة التي تتعامل بموجبها الدولتان مع بعضهما بعضاً، وليس هناك شك بأن العلاقات الهندية- الروسية ستتركز على التعاون في مجال إنتاج الأسلحة والمعدات الدفاعية. وكان لهذا الموضوع أن يحظى بالشيء الكثير من اهتمام الطرفين خلال انعقاد القمة الثنائية. وقدمت روسيا عرضاً للمشاركة في تطوير صناعة الأسلحة في الهند، كما تقضي الاتفاقيات بالبدء بتصنيع طائرة الهليكوبتر الروسية الأكثر تطوراً في الهند مع تصنيع قطع الغيار. ولا يمثل هذا التعاون بين الهند وروسيا في مجال الصناعات الدفاعية شيئاً جديداً تماماً لأن البلدين يتعاونان دون انقطاع على تطوير وتصنيع «صاروخ براهموس». ونصت الاتفاقية المعقودة بين الطرفين على الدفع بالعلاقات الدفاعية والاقتصادية بينهما إلى الأمام، وبالرغم من هذه العلاقات الوطيدة، إلا أن التبادل التجاري بينهما لا يتم إلا عبر الشركات التابعة للقطاع العام أو بين الحكومتين. وتبرز الآن الحاجة لمشاركة القطاع الخاص لتنشيط التبادل التجاري بينهما، وربما كان الوقت الحالي هو الأنسب لتحقيق ذلك، لأن الهند تعاني من نقص كبير في مصادر الطاقة فيما تركز روسيا على تمتين العلاقات مع دول آسيا بسبب العقوبات المطبقة عليها. مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي