«الحرب الجيدة» هو التعبير الذي يطلقه الغرب وحلف شمال الأطلسي كوصف للتدخل العسكري في أفغانستان والحرب التي انطلقت عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 وأطاحت بنظام «طالبان». لكن تلك الحرب التي كلفت أميركا أكثر من تريليون دولار على مدى أكثر من عقد من الزمن لتصبح أطول حرب في التاريخ الأميركي، تحولت مع مرور الزمن، وفقاً لمراسل صحيفتي «واشنطن بوست» و«ديلي تليغراف» السابق، جاك فيرويذر، إلى مغامرة عسكرية فاشلة، بل يعتبرها في كتابه الذي نعرضه اليوم «الحرب الجيدة.. لماذا لم نستطع كسب الحرب أو السلام في أفغانستان»، إلى حرب أبعد ما تكون عن الجيدة، لما خلفته من ضحايا، ولعدم تحقيقها أهدافها المبهمة أصلا. ولتسليط الضوء على ذلك الفشل الذريع الذي واجهته أميركا والغرب عموماً في بلد عرف عنه تاريخياً استعصاؤه على الغزاة، يستعرض المؤلف مجمل تفاصيل الحرب، بدءاً من انطلاقها وحتى اللحظة التي قرر فيها أوباما الانسحاب، ثم ما تلى ذلك من نقاش ومخاوف من تكرار سيناريو العراق بعد الانسحاب وظهور الإرهاب، ليتم التداول حالياً في إبقاء قوات حتى إجلاء القوات الغربية عن البلاد أواخر العام الجاري. فبعد أن أعطى الرئيس السابق، جورج بوش، أوامره، في أواخر 2001، بغزو أفغانستان، استطاعت الطائرات الأميركية تحقيق الهدف الآني من الحرب، وهو إسقاط نظام «طالبان» والانتقام من هجمات 11 سبتمبر التي نكأت جروحاً أميركية غائرة. وبعد النجاح الأولى، اعتقد البعض في واشنطن والعواصم الغربية أن الأمور استتبت مع عودة مظاهر الحياة العادية إلى كابل وفتح المدارس أبوابها أمام الفتيات الأفغانيات، بل رأى البعض في عودة فرق موسيقية دليلا على الطريق الصحيح الذي تسلكه البلاد، لكن بعد ثلاثة عشر عاماً على تلك الإنجازات التي أعقبت الانتصار العسكري السريع والخاطف، مع ما رافقه من تحديث نسبي للاقتصاد، ونشر التعليم بين الأهالي، وإقامة الديمقراطية.. تبدو تلك المكاسب اليوم على محك حقيقي قد تعصف بها المتغيرات في أي لحظة. لكن من مظاهر الهشاشة في أفغانستان، يقول الكاتب، عودة المسلحين الموالين لـ«طالبان» إلى الواجهة للسيطرة على مناطق مهمة من البلاد، لاسيما المناطق الريفية، بل وصلت الهجمات إلى قلب كابل. فما الذي جرى؟ وكيف نفسر الفشل؟ يقول الكاتب إنه فيما عدا الشهور الأولى للحرب، والتي شهدت بعض الوضوح في الرؤية والتماسك في التنفيذ، لم يعد أحد يعرف الغرض من الحرب ولا الأهداف النهائية التي يجب تحقيقها لتسجيل النصر. هذه الحالة من التخبط يستدل عليها الكاتب بالتواجد البريطاني في الجنوب بمحافظة هلمند. فبعد سنوات من المحاولات المستميتة للقوات البريطانية للسيطرة على القرى والبلدات في المنطقة، وسقوط أكثر من 450 جندياً وعدداً أكبر من الأفغان، واستمرار التواجد البريطاني في اجتذاب عناصر «طالبان»، خلص الجيش الأميركي في 2003 إلى أن المحافظة ليست بتلك الأهمية. لكن علاوة على غياب الرؤية الاستراتيجية للتحالف الغربي في أفغانستان، هناك ما يعتبره الكاتب الفرص الضائعة التي تفسر جزءاً كبيراً من الفشل الحالي، فبعد أن ظهرت محدودية العمل العسكري في تهدئة أفغانستان وضمان حد من الاستقرار لإنجاح العملية السياسية عقب الانسحاب الأميركي، لم ينخرط الغرب في مجهود سياسي ودبلوماسي مع «طالبان»، كما لم يسعَ إلى التفاوض معها عندما كانت تريد ذلك في البداية، ولم يفتح الأبواب لها إلا مؤخراً عندما بدأت تتقدم على الأرض، هذا ناهيك عن التباينات التي ظهرت بين أميركا والأمم المتحدة وبينها وبين باقي الحلفاء، لتكون النتيجة وضعاً أفغانياً معقداً وبالغ الهشاشة، وإخفاقاً لا يمكن إنكاره. زهير الكساب ----- الكتاب: الحرب الجيدة.. لماذا لم نستطع كسب الحرب أو السلام في أفغانستان المؤلف: جاك فيرويذر الناشر: بسيك بوكس تاريخ النشر: 2014