من الجوانب الشيقة في الضجة حول تقرير لجنة مجلس الشيوخ الأميركي المتعلق بمعاملة المحتجزين في فترة ما بعد هجمات 11 سبتمبر، الجدل بشأن قرار غالبية أعضاء اللجنة بعدم استجواب مسؤولي وكالة المخابرات المركزية (سي. أي. أيه)، الذين أشرفوا على برامج الاستجواب باستخدام القوة. فهذا يشبه إعلان لجنة ووترجيت بأنه لا يوجد أي مبرر للحصول على تعليق من كبار مسؤولي البيت الأبيض. وبدون التحدث مع أفراد «سي. أي. أيه»، أضعف أعضاء اللجنة ما كان في معظمه فحصاً دقيقاً ومحرجاً لبرنامج سيئ الفكرة والإدارة. لماذا إذن لم تتحدث لجنة مجلس الشيوخ مع مسؤولي الاستخبارات؟ ربما نطالع هنا عطباً أصبح شائعاً، وهو الامتناع عن إفساد السرد. وحالياً، يتضمن السرد استبعاد كل الحقائق والشهادات الغاضبة والمزعجة من القصة. وهذا ما فعلته بالضبط مجلة «رولينج ستون» في قصتها النابضة بالحياة عن جريمة اغتصاب مزعومة في حرم جامعة فيرجينيا؛ إذ لم تنشر تعليقات من المتهم ولا تعليقات من النزل التي كان يقيم فيه الطلاب، ولا تعليقات من أصدقاء موجه الاتهام، الذي يفترض أنه وضع هذه القيود كشرط لكتابة القصة. فلماذا قبلت المجلة بذلك إذن؟ التفسير ذاته ينطبق هنا، ففعل غير هذا كان سيفسد السرد، إذ يقال إن الاعتداءات الجنسية متفشية في الحرم الجامعي، ولدى «رولينج ستون» قصة قوية لتسردها. ولو أن أعضاء لجنة مجلس الشيوخ قرروا استجواب مسؤولي «سي. أي. أيه» لربما واجه التقرير مشكلات في الوصول إلى الاستنتاج البسيط الذي مفاده أن البرنامج لم يتمخض عن معلومات استخباراتية يمكن إقامة دعوى عليها. وهنا يقع السرد في أسر ضرورة تجنب مسائل أخلاقية دقيقة. لكن هذه الحجة المعقولة يصعب تقديمها في عالم تويتر والبرامج الحوارية التلفزيونية. فالفخ الذي وقعت فيه لجنة مجلس الشيوخ ومحررو «رولينج ستون» هو نتيجة متوقعة وغير سعيدة لحقبة سريعة الإيقاع وغير متروية. فالشعارات أسهل دوماً في الترديد من الحجج، والخطر أننا أصبحنا نخلط بين الاثنين. ولأني أعتقد أن برنامج الاحتجاز غير أخلاقي وخطأ كبير، أود كثيراً أن يكونوا مخطئين. لكن السرد يُبنى بشكل مختلف للأسف. ولذا اُعتبر أوائل المنتقدين لقصة «رولينج ستون» أنهم لا يشككون في محتوى القصة بل في السرد. فإذا كانوا يعتقدون أن هذه الممارسة بعينها لمهنة الصحافة مليئة بالأخطاء فإنهم يقللون من مشكلة الاعتداء الجنسي نفسها. وهذا النهج مثال كلاسيكي لمعضلة التضليل. فلا يوجد في الواقع تنافر بين الاعتقاد في خطورة مشكلة الاعتداء الجنسي والاعتقاد بعدم اتساق هذه الحكاية بعينها في الوقت نفسه. وعندما يساء فهم الخلاف بشأن الحقائق باعتباره خلافاً على المبادئ، يصبح مشروع الديمقراطية التنويرية برمته في خطر. وليبرالية التنوير تقوم أساساً على افتراض أن الاتفاق على الحقائق يمثل عملية منفصلة عن الاتفاق في القيم التي تنطبق عليها. وجادل المنظر الاجتماعي كارل مانهايم في كتابه «الأيدولوجيا واليوتوبيا» بأننا لن نستطيع فصل الاثنين لأن الحال ينتهي بنا دوماً إلى رؤية الحقائق عبر عدسات أيدولوجياتنا الجاهزة سلفاً. وبالتالي، فالفشل مقدر على الديمقراطية الليبرالية فيما يتعلق بفكرة التنوير. وكمؤمن بالديمقراطية، أريد أن يكون مانهايم مخطئاً، لكن إعلاءنا للسرد المؤلف سلفاً على الفحص الانتقادي للحقائق يوحي بأنه قد يكون محقاً. ------ ستيفن كارتر، أستاذ القانون في جامعة «يل» ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»