حسم الأمر في إسرائيل. وتقرر إجراء انتخابات برلمانية جديدة في مارس المقبل. المعركة الانتخابية بين الأحزاب السياسية ستدور حول عنوان واحد، وهو: إسرائيل دولة وطنية لليهود. فماذا تعني هذه المقولة؟ أول ما تعنيه هو أنه لا مكان في إسرائيل لغير اليهود. وبالتالي فإن على العرب المسلمين والمسيحيين إما أن يغادروا إسرائيل.. أو أن يبقوا فيها، ولكن غير مواطنين. وإذا اعترفت منظمة الأمم المتحدة، وتالياً دول العالم، بأن إسرائيل هي وطن قومي ليهود العالم، فإن معنى ذلك اعتراف المنظمة بأن اليهود المواطنين في مختلف دول العالم هم أيضاً مواطنون إسرائيليون. بل إنهم إسرائيليون قبل أن يكونوا رُوساً أو أميركيين، أو أوروبيين.. إلخ. ومن هنا، فإن تحديد الهوية الجديدة لإسرائيل ليس مجرد تغيير شكلي. إن هذا التغيير يشمل موضوع الحدود أيضاً. فمن المعروف أن إسرائيل لم تتخذ لنفسها دستوراً، ولم تحدد حدودها السياسية بعد. ولكن إذا أقرّ قانون إسرائيل وطن ليهود العالم، فإن الدستور يمكن كتابته على هذا الأساس الجديد. وهو أن إسرائيل هي تجسيد للوعد الإلهي لبني إسرائيل! مما يعني أنها فوق الشرعية الدولية؛ لأنها إرادة إلهية! وإذا أقر القانون أيضاً، فإن الدستور يمكن أن يحدد حدود هذه «الدولة» التوراتية. ومن المعروف أن هذه الحدود تشمل في الحد الأدنى كل الضفة الغربية التي يسميها الإسرائيليون «يهودا والسامرة». وبالتالي فإن ما يفرض على العرب داخل الخط الأخضر (أي داخل إسرائيل)، سيفرض تبعاً لذلك على عرب الضفة الغربية بما في ذلك مدينة القدس. أي إخراجهم منها إلى ما وراء نهر الأردن شرقاً، وإلى ما وراء الجليل شمالاً. وهذا أبشع أنواع «التطهير العرقي». ومن هنا السؤال: إذا كان هذا هو هدف إسرائيل، فماذا يبقى من مشروع الدولة الفلسطينية؟.. وماذا تعني المفاوضات السياسية الفلسطينية- الإسرائيلية؟ عندما أعلن قيام إسرائيل في مايو 1948، قال علماء اليهود: «لقد تحققت النبوءة الأولى». وفي عام 1967 عندما احتلت القوات الإسرائيلية مدينة القدس، قالوا: «لقد تحققت النبوءة الثانية». والآن ينتظر علماء اليهود تحقيق النبوء الثالثة. وهي بناء هيكل على أنقاض المسجد الأقصى. وعندما تتحقق هذه النبوءة الثالثة، يتوقع اليهود ظهور المسيح الحقيقي. وتشاركهم هذا الاعتقاد فئة من المسيحيين تعرف باسم «المسيحانية الصهيونية»، مع بعض الاختلاف والتباين. أنهم يؤمنون بأن المسيح قد جاء. وأنه سيعود. ولكن لعودته شروطاً لا بد من توافرها، ومن هذه الشروط قيام صهيون وبناء الهيكل اليهودي! ولذلك فإن هؤلاء يؤمنون بأن بناء الهيكل ضروري ولا بد منه من أجل هذه العودة الثانية للمسيح. إنهم يدعمون إسرائيل في المجالات السياسية والمالية والإعلامية والأمنية كافة، ليس حباً في اليهود، وإنما لأنهم يعتبرونهم الأداة للعودة الثانية المنتظرة. و«المسيحانية الصهيونية» ليست مجرد حركة دينية أو كنسية عادية. إنها تضم أكثر من 70 مليون أميركي، من بينهم أعضاء في مجلسيْ الكونجرس (الشيوخ والنواب)، ومن بينهم جنرالات في الجيش الأميركي ورجال إعلام ودبلوماسيون. وكان منهم الرئيسان السابقان رونالد ريجان وجورج بوش الابن. ويفسر ذلك قدرة هذه الجماعة الدينية على التأثير في عملية اتخاذ القرار السياسي الأميركي من قضايا الشرق الأوسط عامة، ومن القضية الفلسطينية خاصة. وقد برز دور هذه الجماعة في دفع إدارة بوش لاجتياح العراق في عام 2003؛ لأن العراق كان في ذلك الوقت يشكل مصدر قلق للأمن الإسرائيلي. ومن أدبيات هذه الجماعة، أيضاً، الإيمان بأن على إسرائيل أن تحتل كل «الأرض التوراتية»، وأن عليها تهديم المسجد الأقصى وبناء الهيكل. وإذا كانت إسرائيل تحسب لردود الفعل المترتبة على القيام بهذه الأعمال، فإن «المسيحانية الصهيونية» تضغط لتجاوز هذه الحسابات، أملاً في تحقيق «الإرادة الإلهية» التي تؤمن بها. ولذلك فهي أشد تطرفاً من إسرائيل ذاتها. ومن أجل ذلك، فإن تحول إسرائيل من العلمانية الصهيونية إلى الدينية اليهودية، ليس مجرد تغيير شكلي. إنه تغيير جوهري يستدرج المنطقة إلى صراع ديني.. مما يصب في أدبيات حركات التطرف الإسلامية. ومن هنا، تشكل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة بداية مرحلة جديدة تتجاوز مستوى الصراع على بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. لتصل إلى مستوى الصراع على الوجود.