يذكر مؤرخون وباحثون مصريون وأجانب ثقاة أن 88% من سكان مصر الحاليين ينتمون إلى الأسر القبطية القديمة اعتنق تسعة أعشارها الإسلام، فإن أضفنا إلى هذا ما يذهب إليه المتخصصون من أن الاختلاط الكبير الذي تم بين العرب والمصريين لم يغير من التركيب الأساسي لجسم السكان أو دمهم، وهو أمر ترجع بعض أسبابه إلى أن العنصر العربي هو من أصل قاعدي واحد مشترك مع العنصر المصري الذي لا يختلف جسمياً عن البدوي، كما يقول أبو سيف يوسف في كتابه «الأقباط والقومية العربية»، ولذا يصح القول إن تعريب مصر لم يغير من التجانس الأصلي لسكان البلاد، حسبما يذكر «جاستون فييت» في «موسوعة الإسلام»، نظراً لأن المصريين والساميين العرب ينحدرون من عرق واحد، يقول بعض الإنثروبولوجيين إنه «العرق القوقازي» الذي ينتشر أهله حول البحر المتوسط وجنوبه، وهناك من يعود به إلى «الحاميين الشرقيين» من نسل نوح عليه السلام. علاوة على هذا فإن هناك اتفاقاً بين أغلب الباحثين على أن لفظ «قبط» مشتق من الكلمة اليونانية «إيجيبتوس»، أو من الكلمة الآشورية «هيكوبتون» ومعناها «بيت روح بتاح» إشارة إلى العاصمة «منف»، التي أصبح اسمها يطلق على القطر كله. أما كلمة «قبط» الحالية فقد أطلقها العرب أنفسهم على المصريين بعد دخول عمرو بن العاص، كما يقول مراد كامل في كتابه «القبط في ركب الحضارة» الصادر في إطار سلسلة «مار مينا 1954». كما أن الثابت تاريخياً أن العرب سكنوا مصر قبل الإسلام بكثير، فالقبائل العربية هاجرت إلى صعيد مصر وساحت في سيناء وجاءت من شمال أفريقيا إلى الصحراء الغربية، فكان للبدو مكانهم بين المصريين. وفي الوقت نفسه فإن المسيحيين المصريين ليسوا جميعاً منحدرين من أصل مصري قديم، فبلدنا ظل طيلة تاريخه متحفاً للأجناس البشرية، بفعل الغزو المتكرر لمصر منذ فجر التاريخ، الذي جاء معه الناس من شتى الأصقاع إلى هنا، حيث قلب العالم القديم، ومهد الحضارة الإنسانية، وأول دولة عرفها البشر. ومصر في المنشأ كانت على الديانات الفرعونية القديمة وظلت على هذا قروناً طويلة. فلما دخلتها المسيحية تحول الوثنيون وبعض اليهود إلى الدين الجديد، ولم يخلُ هذا التحول من عنف شديد قام به الرومان ضد الوثنيين ليجبروهم على هذا التحول، وذلك على العكس مما يطالب الإنجيل، فهدمت الكثير من معابدهم وأقيمت مكانها الكنائس، واحتدمت الصراعات بين الكهنة للسيطرة على المنطقة وعلى طرائق التفكير ونشر المسيحية، وقتل بعض رموز الوثنيين المصريين وفي مطلعهم عالمة الرياضيات والفلسفة والفلك «هيباتيا» ابنه ثيون آخر زملاء متحف الإسكندرية التي عاشت في الفترة من 370 إلى 415 ميلادية إبانَ العهد الروماني مع بدايةِ انتشارِ الدينِ المسيحي في العالم. وارتكب هذه الجريمة بعض الكهنة، حيث انتظروها وهي في طريق العودة إلى المنزل وقتلوها ومثلوا بجسدها وتم هدم معبدها بموافقة بطريرك الإسكندرية البابا ثيوفليس، لتكون عبرة لمن يسلك طريق التفكير الحر. وعانى الأرثوذكس طويلًا أمام حكم الرومان المختلفين معهم في المذهب، وفقدوا عشرات الآلاف في سبيل التمسك بعقيدتهم، وتعاون كثيرون منهم مع عمرو بن العاص ليخلصهم من ظلم الرومان ويعيد الأنبا بنيامين الذي كان هارباً في الصحراء إلى كنيسة الإسكندرية. وهنا يقول حنا النقيوسي: «عمل عمرو على تحصيل الضرائب التي تضاعفت، ولكنه لم يأخذ شيئاً من ممتلكات الكنائس، ولم يرتكب عملًا من أعمال السلب والنهب بل قام بحمايتها طيلة ولايته على مصر». وتحت حكم العرب ظل المسيحيون أغلبية سكان البلاد حتى العصر الفاطمي، وحدثت بالطبع تجاوزات وأشكال من الاضطهاد ضدهم بمنطق السياسة والحكم والتوسع الإمبراطوري وليس تطبيقاً للقرآن الكريم الذي ينص على أنه «لا إكراه في الدين». إلا أن الأقباط تعلموا العربية بمحض إرادتهم، وهم الذين تمسكوا بلغتهم تحت حكم الإغريق والرومان، كما أن الإسلام دخل بلاداً عديدة ولم تتغير لغة سكانها مثل بلاد فارس والهند وغيرها، ما يعني أن العربية لم تفرض على أحد.