نظم المركز العربي للبحوث والدراسات بالتعاون مع وزارة الشباب المؤتمر الأول لشباب الباحثين الذي انعقد في مركز التعليم المدني بالجزيرة يومي 13، 14 ديسمبر 2014. وهذا المؤتمر هو الأول من نوعه الذي ينعقد بعد ثورة 25 يناير التي أشعلت فتيلها مجموعة من النشطاء السياسيين على شبكة الإنترنت، والذين غادروا مواقعهم في العالم الافتراضي لينزلوا إلى ميدان التحرير يوم 25 يناير، داعين فئات الشعب المختلفة للالتحام بهم، لإسقاط النظام السياسي الذي كان يقوده الرئيس السابق مبارك. وعلى غير توقع من هذه الطليعة الثورية نفسها، سرعان ما تدفق ملايين المصريين رجالاً ونساء شيوخاً وشباباً إلى ميدان التحرير وتصاعدت هتافاتهم التي بلغت الذروة حين ارتفع الشعار الشهير «الشعب يريد إسقاط النظام»، الذي سرعان ما تحول إلى شعار ثوري رفعته الجماهير الثائرة في كل البلاد التي غزتها موجات ثورات «الربيع العربي». ويمكن القول، إن ثورة الشباب في 25 يناير وقبلها في تونس كانت امتداداً لثورة الشباب العالمية التي اندلعت أول ما اندلعت في ثورة الطلبة في فرنسا عام 1968. وهذه الثورة التي بدأت شبابية خالصة في شوارع الحي اللاتيني، حيث توجد الجامعات الكبرى ومراكز الأبحاث، سرعان ما التحمت بها الطبقة العمالية، وهكذا تحولت في لمح البصر إلى ثورة شعبية قامت ضد إرهاصات الرأسمالية المعولمة التي أرادت توجيه كل مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة التعليمية لتلبية حاجات السوق الاستهلاكي على حساب القيم الاجتماعية الأساسية التي تركز على المساواة والعدالة الاجتماعية واحترام الكرامة الإنسانية. كنت في القاهرة حين اندلعت ثورة 1968 في باريس بعد عودتي من بعثتي العلمية في فرنسا (1964 - 1967) وبالتالي لم يتح لي كباحث علمي اجتماعي أن أقوم بالملاحظة بالمشاركة لأحداث هذه الثورة الكبرى. غير أنني دخلت اطلعت دقيقاً على البحوث الموثقة للثورة بحكم اهتمامي السابق بثورات الشباب التي أعددت عنها بحثاً شاركت فيه في المؤتمر الدولي الذي انعقد في بيروت في أواخر السبعينيات عن «مساهمة الشباب في السياسة». وقد تبين لي من البحث أن أجيال الشباب الجديدة في مختلف قارات العالم تصدر عن نسق قيمي يختلف تماماً عن الأنساق القيمية السائدة في مجتمعاتهم، والتي توجه سلوك الأجيال الأكبر سناً. بعبارة أخرى «رؤية العالم» لدى الشباب تختلف اختلافاً جوهرياً عن رؤى العالم التقليدية السائدة، وأبرز ملامحها التمرد على القيم القديمة، والثورة على السلطة سواء كانت سلطة أبوية أم سلطة سياسية. وإذا كان النظام السياسي الفرنسي بقيادة الرئيس «شارل ديجول» نجح في إخماد الثورة، إلا أن لهيبها ظل مشتعلاً أشبه بالنار تحت الرماد، وتمثل ثورات قامت فعلاً في عديد من بلاد أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا والعالم العربي. ومن هنا كان تقديرنا في المركز العربي للبحوث التركيز على الدراسة المنهجية لرؤية شباب الباحثين لمستقبل مصر، خصوصاً بعد ما قام الشعب المصري بانقلابه الشعبي ضد حكم الإخوان المسلمين الديكتاتوري في 30 يونيو، والذي ساندته بجسارة القوات المسلحة المصرية، والتي هي درع الوطن وسيفه. وقد اهتممنا بفئة شباب الباحثين على وجه الخصوص؛ لأنهم بالذات يمتلكون ناصية المنهج العلمي، وبالتالي فالبحوث المتعددة التي سيسهمون بها في المؤتمر لن تكون مجرد انطباعات عابرة، أو شعارات زاعقة من التي تمرست برفعها مجموعات الناشطين السياسيين المصريين بعد ثورة 25 يناير، والتي تعكس في الواقع ضعفاً في التفكير السياسي وفقراً شديداً فيما يتعلق برؤاهم للمستقبل. وقد فوجئنا في المركز العربي للبحوث بعد دعوتنا شباب الباحثين للاشتراك في المؤتمر بتدفق عشرات الأبحاث على أمانة المؤتمر. فقد تقدم للاشتراك في المؤتمر 75 باحثاً من 16 جامعة مصرية أغلبها من جامعات الصعيد، فضلاً عن جامعة الأزهر، بالإضافة إلى 6 مراكز ومعاهد علمية منها مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ومركز دعم القرار والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية والمعهد العالي للخدمة الاجتماعية ببنها ومعهد التجارة والعلوم الإدارية بأكاديمية القاهرة الجديدة. وقد دارت أبحاث المؤتمر حول أربعة محاور أساسية هي محور السياسة الخارجية. ومحور السياسة الداخلية والمحور الاقتصادي ومحور الإرهاب، وأخيراً المحور الثقافي والاجتماعي. وقد حرص المؤتمر على اختيار شخصيات عامة لرئاسة جلسات المؤتمر وتكليف عدد من خبراء المركز العربي للبحوث والدراسات بالإضافة إلى بعض أساتذة الجامعات المرموقين للتعقيب على المناقشات. وسنقوم بالتحليل العلمي لأبحاث الباحثين الشباب ومنه سيتبين أنه من الضروري التعرف الدقيق على رؤاهم للمستقبل.