بينما كنت أشاهد أعمال الشغب في فيرجسون، ورأيت رد وزارة العدل الأميركية الفاتر، لم يسعن سوى التفكير في أن ذلك لم يكن ليحدث لو أن «جون دوار» كان مسؤولاً، و«دوار»، تلك الشخصية الأسطورية الذي أدار قسم الحقوق المدنية في وزارة العدل أثناء حقبة الستينيات، توفي الشهر الماضي عن عمر يناهز 92 عاماً، وعندما كنت شاباً، حظيت بشرف العمل معه أثناء لحظات فارقة في تاريخ الحقوق المدنية. ومن الجدير أن نتذكر كيف أدار «دوار»، المحامي «الجمهوري» في ولاية «ويسكونسن»، قسم الحقوق المدنية لأنه يمثل نقضياً حاداً لما يبدو عليه أداء هذه الإدارة في الوقت الراهن، بعد أن كانت يوماً رمزاً للجرأة، فهو لم يقدنا فقط لرفع عدد لا حصر له من القضايا التي تزعم انتقاص حقوق الناخبين وخطأ المسؤولين، ولكنه أيضاً أدرك أن مهمتنا كانت تتجاوز إقامة الدعاوى القضائية، واعتبرنا مبعوثين للحكومة الفيدرالية في مجتمعات السود الشعبية، ليكون لنا حضور فعلي وقوي كي تدرك تلك المجتمعات أن واشنطن ستكون دائماً إلى جوارهم، عندما تجور السلطات المحلية على حقوقهم. وفي عام 1963، كان «دوار» في مدينة جاكسون بولاية ميسيسيبي لحضور جنازة «ميدجار إيفرز»، الناشط في الجمعية الوطنية للدفاع عن السود، وبعد الجنازة خرج مئات المتظاهرين في مسيرة سلمية، احتجاجاً على مقتل «إيفرز»، محاطين بقوات شرطة مسلحة لمعركة حربية، وتم اعتقال أكثر من 300 معز بسبب الخروج في مسيرة من دون إذن بالتجمهر، وهو ما دفع مجموعة من الشباب الغاضبين إلى الخروج عن المسيرة لمواجهة الشرطة، ولكن «دوار» وقف أمامهم، ورفع يديه، وقال: «لا يمكنكم الانتصار بإلقاء الزجاجات والحجارة». وحالت قوة إرادته الشديدة والثقة التي بناها دون وقوع حمام دماء، ولسوء الحظ، لم يكن هناك «جون دوار» في فيرجسون، ولا يوجد مثله بوزارة العدل اليوم، ولا يتوقع محامو وزارة العدل تحريك اتهامات في قضية مقتل «مايكل براون» في فيرجسون، ولا في مقتل «ترايفون مارتين» في فلوريدا، وبالطبع، هناك نقابة محامين تستطيع الفوز بإدانة في بعض القضايا، وإدارة تتقصى وتحقق في ممارسات شرطة فيرجسون على نحو واسع النطاق، ولكن بشكل عام، ثمة تراجعاً واضحاً في دور إدارة الحقوق المدنية، وترك زهاء 70 في المئة من محاميي الإدارة عملهم في ظل إدارة جورج بوش، بينما أعاق مسؤولون معينون القضايا، وأقالوا المدعين الذين اعتبروهم شديدي الليبرالية. ومن المثير للدهشة، أن إدارة أوباما لم تعالج المشكلة، إذ تشير دراسة أجراها العام الماضي «مايكل سلمي» أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، إلى أن سجل الحقوق المدنية لإدارة أوباما كان مخيباً للآمال بدرجة كبيرة، ووجد أنه خلال سنواتها الأربع الأولى، رفعت الإدارة عدداً من الدعاوى مماثلاً، أو أقل من تلك التي حركتها إدارة بوش فيما يتعلق بالتمييز في التوظيف والإسكان والتعليم. وأما بالنسبة للفترة الثانية من إدارة أوباما، ظل قسم الحقوق المدنية بلا زعيم معتمد من مجلس الشيوخ منذ يوليو عام 2013. وقد كانت الأوضاع مختلفة تماماً عندما عملت مع «دوار»، إذ أدرك أن التغيير لن يأتي إلا من خلال صناديق الاقتراع، ولكنه استخدم التقاضي لزيادة الوعي، وتابع «دوار» عدداً لا حصر له من القضايا، حتى عندما كان الفشل نتيجة حتمية لها، فحضني على تحريك دعوى جنائية فيدرالية ضد حارس في ولاية ميسيسيبي بسبب اعتداءاته القاسية على موظفي الحقوق المدنية، وعلى رغم وجود دليل لا مراء فيه، تداولت هيئة المحلفين، وجميعها من القضاة البيض، لمدة 12 دقيقة فقط قبل الحكم بأن المتهم غير مذنب. ورسّخ سجل «دوار» في قضايا حقوق التصويت أساساً لتمرير قانون «حقوق التصويت» في عام 1965، ولكن المقاضاة لم تكن سوى جزء من العمل؛ إذ حملنا على العمل كمفاوضين من أجل الهدوء. ولو أنه كان في عمله اليوم، لأرسل بالتأكيد فرسانه من المحامين الذين يمكنهم الاستجابة فوراً للتعليمات المفاجئة في الأزمات، وكثير من المواطنين السود، بعد قضيتي «مايكل براون» و«إيرك جارنر»، لا يزالون يشعرون بـ «لامبالاة قاتلة» من السلطات التي يهيمن عليها البيض، ومع استمرار الاضطرابات، من المأساوي أن إدارة أوباما ليس لديها «جون دوار» لرأب الصدع. تيري لينزنر: رئيس منظمة «إنفزتجيتيف إنترناشيونال» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»