التقارير الواردة مؤخراً عن تحركات مزيد من القوات والعتاد إلى المناطق التي يسيطر عليها انفصاليون في أوكرانيا توحي بأن روسيا تسعى مرة أخرى لإثارة المشاكل. ومن الطبيعي أن يرد الغرب بحزم، فربما يشدد العقوبات ويقدم أسلحة دفاعية لجيش أوكرانيا المفتقر للعتاد والأضعف بكثير من روسيا. ورد الفعل الغربي قد يكون طبيعياً ولا محيص عنه بالنظر إلى الاستراتيجية الروسية الاستفزازية. لكن رد فعل السياسة الغربية نصف خاطئ والجزء غير الصحيح منه قد يجعل عام 2015 سنة سيئاً لأمن أوكرانيا والعلاقات بين الشرق والغرب كما كان عام 2014. وقرارات صانعي السياسة الغربية قد تعزز آلية الفعل ورد الفعل التي من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم أحوال شعب أوكرانيا وهو الضحية الأولى حتى الآن لهذه الأزمة. وبصرف النظر عن الصواب والخطأ، فإن النتيجة من تقديم الأسلحة لن تنتج قوة صلبة للدفاع عن النفس لأوكرانيا. فالجيش الأوكراني يواجه قوات روسية مسلحة أكثر منها عددا خمس مرات وربما أقوى منها 20 مرة. وإذا شجعت مثل هذه الأسلحة الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو على تحدي القوات الروسية مباشرة على أراضيه، فمن المرجح أن تتفاقم الأزمة العسكرية والموت والدمار في أوكرانيا، وتواصل الدعاية الروسية تشويه الغرب، وإلقاء بذور أزمات في المستقبل في مناطق أخرى من جوار روسيا. وقبل الإقدام على مثل هذه الخطوات، وقبل انتشار دائم جديد لقوات (الناتو) في دول البلطيق، وهو رد فعل آخر مفهوم لكنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، يجب على زعماء الحلف العمل مع روسيا على إقامة نظام أمن أوروبي جديد مقبول من الجانبين. وقد يعتبر كثيرون في الغرب أي جهد مثل هذا مكافأة لروسيا وبوتين. لكن هذا الاقتراح لا يقصد به تقديم مكافأة لكن لحماية أمن أوكرانيا وأمننا. ولو كان الشعب الروسي ينقم على بوتين، لكان من المنطقي مواصلة الضغط بالعقوبات مع التهديد بفرض المزيد منها إذا واصل بوتين التصعيد. لكن الزعيم الروسي يتمتع بتأييد شعبي يبلغ 85 في المئة في وطنه، حيث يعتبر كثيرون من الروس أن تحركاته تمثل رداً واجباً على «الناتو»، الذي توسع حتى وصل حدود روسيا منذ الحرب الباردة، وهي الرؤية التي تعززها وسائل الإعلام الروسية الخاضعة لسيطرة شديدة. وباستقاء بعض أفكار وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسينجر وبناء على اقتراحات من مستشار الأمن القومي السابق زبيجينيو بريجنسكي، يجب أن تتضمن الصفقة التي تقدم إلى روسيا نقاطاً من بينها: أن روسيا تستطيع أن تدعي حقاً مستندا على التاريخ في القرم، لكن يتعين عليها قبول إجراء استفتاء ملزم تحت مراقبة خارجية لتحديد مستقبل المنطقة. وأن توافق روسيا على سحب يُمكن التحقق منه «للمتطوعين» من جيشها من شرق أوكرانيا. وأن تلتزم روسيا، بمجرد تسوية مشكلة القرم، بالحفاظ على أمن أراضي أوكرانيا. وأن توافق أوكرانيا والولايات المتحدة على ألا ترشح أوكرانيا نفسها لعضوية «الناتو» لا الآن ولا في المستقبل. وإقامة هيكل أمني جديد على امتداد أوروبا مستنداً ربما على أسس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ومحافظة «الناتو» دون اعتذار على عضويته الحالية. لكن بسبب الترتيب الأمني الجديد بوسعه أن يتجنب المزيد من التوسع وأن يعزز دوره في الأمن الأوروبي ويركز من جديد على مهام خارج أوروبا. وأن يوافق الاتحاد الأوروبي على العمل مع روسيا للتأكد من أن تكون أي علاقة محتملة مستقبلية مع الاتحاد متوافقة مع مشاركة أوكرانيا في مشروع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الروسي. وإلغاء العقوبات على روسيا تدريجياً مع تنفيذ هذه البنود. من المؤكد أن بوسع بوتين الزعم أن هذا الاتفاق يحقق أهدافه الرئيسية، وأن يصوره باعتباره انتصاراً كبيراً. وربما ترتفع شعبيته إلى 88 أو 90 في المئة لفترة ما. لكن مع مرور الوقت، فإن هذا الإنجاز سيتحول إلى مسألة داخلية وسيُحمّل الناخبون الروس بوتين مسؤولية ما كان يجب أن يفعله وهو تحسين حياتهم من خلال علاقات اقتصادية وسياسية جيدة. وقد يكون الأمر مستفزاً الآن، لكن السعي إلى نتيجة يخرج فيها الغرب وأوكرانيا وروسيا جميعهم رابح أفضل بكثير من الخسارة للجميع. إننا لم نبدأ هذا الصراع لكن بوسعنا أن نتخذ إجراءات تحسن كثيرا فرص إنهائه. جيرمي شابيرو: باحث في برنامج السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»