بانضمام «اليزابيث وارن» إلى زميلها في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور «تيد كروز»، وكلاهما من الحزب الديمقراطي، للمطالبة بإسقاط مشروع الموازنة الذي طرحه الرئيس أوباما وتعطيل عمل الحكومة، علينا التساؤل عما إذا كان الديمقراطيون يتجهون إلى نوع من الانشقاق الذي قد ينافس في حدته معارك الحزب الجمهوري مع حركة «حفلة الشاي»؟ فقد كرست «وارن» نفسها كزعيمة لليسار المناهض لـ«وول ستريت» داخل الحزب الديمقراطي، مشكّلةً بذلك -مع آخرين- تياراً يعارض فكرة التجارة الدولية، والشركات الكبرى. هذا فيما يخوض التيار المعتدل من الديمقراطيين معركة أخرى تدافع عن التوافق بعد خسائرهم في الانتخابات الأخيرة، وتعرضهم لهجوم اليسار الذي يتهمهم بالتخاذل أمام مصالح الشركات، وبالعجز عن تحسين مداخيل الطبقة الوسطى الراكدة منذ سنوات. هذا الوضع داخل الحزب الديمقراطي يفرض سؤالا جوهرياً حول إمكانية ردم الهوة المتزايدة في صفوف الحزب قبل الانتخابات الرئاسية عام 2016؟ وهنا يبرز اسم «تيم كين»، المشرّع عن ولاية فرجينيا. فخلال زيارته مقر صحيفة «واشنطن بوست» قال السيناتور الشاب: «تقليدياً كان الحزب الديمقراطي يضم آراء مختلفة، لكن لم يصل الأمر إلى تشكيل أجنحة، ما يجعلني أشعر بالقلق من إمكانية حدوث ذلك». والحقيقة أنه إذا صحت مقولة أن الناخبين يحصلون على القادة الذين يستحقون، فلابد أن سكان فيرجينيا قد حصلوا على الأفضل، ذلك أن ممثليْ الولاية في مجلس الشيوخ، وهما تيم كين ومارك وورنر، يعدان من أحسن أعضاء المجلس، وهما الأكثر تعاوناً كونهما يمثلان الولاية نفسها. لكن، وفيما سعى وورنر للابتعاد قليلا عن التجاذبات الحزبية، أصر كين على لونه الأيديولوجي، معتبراً أن ذلك لن يمنعه من الوصول إلى توافقات مع الخصوم. ومما يؤكد النبرة التصالحية لدى العضوين الشابين في مجلس الشيوخ، ما قاله كين عن زميله وورنر فيما يشبه النصيحة السياسية، حيث اعتبر أن التجربة الصعبة لانتخاب وورنر بعد أن كاد يخسرها لمصلحة غريمه الجمهوري، «لا تبرر التودد المفرط لمتطرفي الحزب من اليسار، لأن الناخبين يريدون التعاون الحزبي»، مضيفاً أن أفضل السياسات هي «الاعتراف والاعتزاز بالمواقف المبدئية للحزب دون إغفال التواصل مع الخصوم والسعي لتشكيل توافقات واسعة». هذا المسعى التوافقي سيترجم ميدانياً بالنسبة للسيناتور كين، صاحب النصيحة، عبر أربعة مواقف محددة؛ فأولا سيكون عليه دعم هيلاري كلينتون للوصول إلى البيت الأبيض، فهو يراها قادرة على جمع أطياف الحزب المتباينة، رغم قلق اليسار. وثانياً على الديمقراطيين بلورة نموذج بنّاء في ممارسة المعارضة عندما تتولى الأغلبية زمام الكونجرس الشهر المقبل. وثالثاً سيكون على كين وزملائه الأكثر اعتدالا الاهتمام بقضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية التي عبر عنها كين نفسه من خلال موقفه المعارض لأوباما في مسألة دور الكونجرس في الترخيص للعمليات العسكرية، حيث دافع كين عن هذا الترخيص، وساهم في صياغة القانون المتعلق به، لكنه أصر على عدم إرسال جنود أميركيين إلى العراق أو سوريا. ثم أخيراً هناك موقف الديمقراطيين من الطبقة الغنية، حيث يتعين تفادي شيطنتها على غرار ما يفعل اليسار، على أن يكون البديل كما عبّر كين نفسه «صياغة استراتيجية للمساواة في الدخل تتمتع بالمصداقية». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»