أظن أن تعاون المراكز البحثية العربية في هذه الظروف المهمة من تاريخ منطقتنا يمثّل حاجة وضرورة حقيقية، لا يمكن إخضاعها لمسألة «رفاهية نقاش». لأن المخاطر تشمل المنطقة كلها، كما أنها تأخذ أشكالا متعددة، وبالتالي فإن التفكير في إيجاد الحلول لحماية المجتمعات ينبغي أن يشارك فيه الكل، طالما أن دور المراكز البحثية ووظيفتها الأساسية هي خدمة صانع القرار. وفي هذا الإطار، فإن التوصية التي خرج بها مؤتمر «المراكز البحثية ودورها في دعم السياسة العامة»، الذي نظّمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الأسبوع الماضي، حول تأسيس رابطة أو تجمع لمراكز البحوث العربية لتوحيد جهودها البحثية والعلمية لمواجهة التحديات التنموية، هو عبارة عن استقراء دقيق من الباحثين الذين شاركوا في المؤتمر، وخلاصة ما يحدث في عالم اليوم من اتجاه جديد ناجم عن «العولمة». ويقوم هذا الاتجاه العالمي على فكرة التعاون والمشاركة بين المراكز الفكرية أو ما يطلق عليه «Think Tanks» في كل أنحاء العالم في مجال البحوث والمعرفة. بل إن هذا التواصل الفكري يشمل جميع المؤسسات في العالم، مثل الأحلاف العسكرية لمواجهة الإرهاب، والتجمعات الصحية لمنع انتشار الأمراض. القضايا الإنسانية المختلفة في عالم اليوم أصبحت مشتركة وتواجه كل المجتمعات، فالقضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية عابرة للقارات ولم تعد تخص دولة بعينها أو تحدياً بين دولتين، لذلك فقد باتت مواجهتها بشكل منفرد أمراً صعباً وربما ناقصاً بحكم تشابك الأخطار واختلاف تخصصات المراكز البحثية. لذلك فقد بات العالم يحتاج إلى تعاون أكثر، وتزداد أهمية هذا التعاون بين المراكز البحثية باعتبارها الجهات التي تساعد على صناعة القرار. لذا، ليس من المستغرب أن نجد أن الكثير من المراكز البحثية في الولايات المتحدة باتت تفتح لها أفرعاً في دول أخرى مثل الدول العربية، حيث يوجد «مركز بروكينغز- الدوحة» أو «مركز كارنيجي» في بيروت، وبعضها لها أفرع في الهند. أما على المستويات الوطنية للدول، فقد قرأت ذات مرة حول طريقة تعاون المراكز البحثية في كوريا الجنوبية، وهي إحدى دول العالم الأكثر تطوراً في مجال التنمية البشرية. ففيها ما يزيد على عشرين مركزاً للدراسات، بعضها تابع للجامعات الكورية، وبعضها للمؤسسات الوطنية، وبعضها مستقل، لكنها جميعاً تعمل تحت هيئة واحدة، ولعل هذه الصيغة قريبة مما تطرحه توصية المؤتمر. يحسب لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية أنه استطاع أن يحشد العديد من مسؤولي المراكز البحثية في دول العالم، ومنها الدول العربية، وأن يطرح فكرة جريئة للتعاون. لكن ما يميز هذه الفكرة أنها تحاول جمع عدد من باحثي منطقة الخليج والعالم العربي لتبادل الأفكار أو ممارسة «العصف الذهني» للمختصين حول ما يدور في المنطقة وما تواجهه من تحديات باتت تهدد الاستقرار في بعض بلدانها. إن التركيز على أبناء المنطقة الخليجية للبدء في التعاون بين المراكز البحثية أعتقد أنه يندرج تحت بند المقولة التاريخية القائلة بأن أمن المنطقة مسؤولية أبنائها، على اعتبار أنه من الصعب أن يفكر الآخرون في مصلحة وطنك قبل أن يضعوا في الاعتبار ما يمكن أن يحصلوا عليه من وراء ذلك. وأعتقد أن ما رأيناه من مواقف دولية حول ما يعرف بـ«الربيع العربي» يؤكد ذلك، وكذلك المواقف الدولية حيال ما يحدث في سوريا. وطالما أن فكرة افتتاح المراكز البحثية في الدول العربية عموماً والدول الخليجية على وجه الخصوص، باتت من الظواهر «الإيجابية»، على اعتبار أن مسألة اتخاذ القرارات ينبغي أن تكون بمساعدة المراكز البحثية نتيجة لتعدد التحديات وتشعبها.. فمن المنطقي أن تكون الشراكات البينية والتعاون بين المراكز هو الأجدى والأنفع على اعتبار أن التحديات واحدة، وبالتالي فإن التعاون في حلها ينبغي أن يتم بالتعاون الجماعي بين هذه المراكز، خاصة أن التعاون قبل أن يكون دولياً يجدر أن يكون إقليمياً. وبشكل عام، ينبغي الاستمرار في تعميق النقاشات وتبادل الأفكار بين الباحثين الخليجيين والعرب أولا، كما جاء في التوصية، ومن ثم إجراء المزيد من المحادثات مع الباحثين من الدول الصديقة والمهتمة بالمنطقة، لأنه السبيل المثالي للإلمام بالتحديات التي تواجهنا وبالتالي تعزيز تلك الأفكار التي نعتقدها بما يراه الآخرون عنا، وذلك لتوفير القدرات الخاصة للتصدي للتهديدات التي تستهدف الاستقرار العالمي، مثل «داعش»، ومثل انخفاض أسعار النفط العالمي.