لم يكن هناك من سبيل آخر يسلكه تقرير لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأميركي عدا أن يكون صادماً وكاشفاً للحقائق، لكن على الأقل كان بمقدوره أن يكون أفضل لجهة اعتراف ديمقراطية كبيرة مثل الولايات المتحدة بأخطائها التي ترتكبها أحياناً وامتلاكها شجاعة النظر إلى نفسها في المرآة، ثم التعهد بعدم تكراره ما جرى، غير أن هذه الخطوة الإيجابية رافقت وقللت من وهجها، خطوات مصاحبة جعلت من التقرير مرة أخرى وقبل صدوره حتى فرصة للابتزاز والصراع الحزبي المعهود في واشنطن، لذا يحسب لرئيسة لجنة الاستخبارات، ديان فينستاين، أنها قررت نشر خلاصة التقرير على الأقل. ومع أنه كان من الأفضل لو صدر التقرير كاملاً بعد خمس سنوات من التحقيق، إلا أن أعين "الديمقراطيين" في الكونجرس كانت على تسهيل المصادقة على النفقات العمومية التي تحتاجها الحكومة الفيدرالية دون مشاكل من "الجمهوريين"، هذه الموافقة مع ذلك جاءت مقرونة بمجموعة من الشروط أولها الزيادة في حجم التبرعات السياسية التي تمنحها الشركات وجماعات الضغط الخاصة للأحزاب والمرشحين، بحيث انتقلت من نحو 97 ألف دولار إلى ما يفوق 777 ألف دولار ليفتح ذلك باب الفساد السياسي. أما الشرط الثاني لتمرير مشروع قانون الإنفاق العمومي فكان رفع القبضة الرقابية وتخفيفها قليلاً عن شركات «وول ستريت» والقطاع المالي الذي كان قد تعرض لمساعي الضبط والسيطرة لتسببه في الأزمة المالية عام 2007، لكن بدأت في الآونة الأخيرة تتعالى الأصوات المطالبة برفع تلك القيود، وهو ما شرعت الإدارة الحالية في الاستجابة له. لكن وبصرف النظر عن منطق الابتزاز السياسي كان الصادم حقاً هي ردة فعل الاستخبارات التي سعت إلى تبرير التعذيب وكل الممارسات الوحشية الأخرى التي وثقها التقرير بإيراد حجج حماية الأمن القومي لأميركا، فمجرد استحضار الأمن الداخلي للأميركيين كنوع من التسويغ لجرائم التعذيب البشعة التي خضع لها المعتقلون وانتهاك حقوقهم، يلحق أفدح الضرر بهذا الأمن ويعرضنا للاستهداف، لا سيما وأن التقرير نفسه يذكر أن التعذيب لم يساهم في أي وقت من الأوقات في حماية أميركا. ----- سيرج شيميمان كاتب أميركي ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»