هي مرحلة ولُود ربما على نحو غير مسبوق في العالم، تلك التي تمر وتعصف بنا جميعاً. وعلى غير ما توقعه فوكوياما، حين أعلن أن العالم بلغ في تغيراته الكبرى، منتهاه بالصيغة الغربية العولمية! مما يتحتم معه على البلدان والشعوب الأخرى أن تسارع للبحث عن مكان لها في الخريطة العالمية الجديدة، فإن الأمور داخلاً وخارجاً تسلك مسلكاً قد يكون مُوارباً جداً عن ذاك، فقد بدأ السّرب يخرج عن مساره ويبحث عن آخر في مجرى العالم كله، بعد أن بدأ في الولايات المتحدة تحت ضربات مرعبة. وراح الأميركيون يتسابقون مع فصائل الرعب في «العالم الثالث»، الذي عرف مراحل اعتقد الناس والباحثون معها أنه فقد معالمه وسماته ووشمه مع ظهور قطبية عالمية جديدة، هي تلك التي بشر بها فوكوياما. والآن، لا نجدنا أمام قطار التاريخ الأميركي براكبيه المتميزين، ولا أمام قطبية أميركية ولا غربية جديدة، إن العالم كله لم يعد قابلاً لوضعه في تلك المواقع، لقد أفرج عن حالٍ ما آخر جديد. تلك الحال قد تكون إحدى صيغ الرعب، التي على الغرب أن يدفع الآن ثمنها وأن يقدم للشعوب ما لا يكفي من الاعتذارات والدفوع المالية وغيرها، وهي التي تمتد منذ تيقّظ مطامحه الأولى في التاريخ الحديث المبكر على «الآخر»، الذي وجد فيه غابة بِكراً تعجّ بما تمنّاه أن يدخل في «ملكيته»، وهكذا إلى الآن، حيث تتفاقم الأزمة في بلد عربي يحكمه حاكم «يحب بلده»، ولكن في ضوء قانون «الاستبداد الرباعي» السلطة والثروة والإعلام والمرجعية المجتمعية، نقول في ضوء الاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية المجتمعية! والآن، إذ تحل المستجدات العظمى المذكورة، ينبغي ألا نُقصي عنوان هذه المقالة، وهو موقف بعض النظم العربية من المتغيرات العظمى الراهنة. ذلك لأن الشق المذكور إنما يتيح لنا أن نضع يدنا على مكمن المسألة من أين نبدأ.. وإلى أين؟ لقد قرأنا أن هنالك من السياسيين والمخططين السياسيين في بعض البلدان العربية من يهمّون في العمل على قطْع دابر «الإرهاب» وملحقاته في بلدانهم، بحثاً علمياً ومسؤولية مجتمعية، فأثنينا على ذلك، واعتبرناه بداية أو بدايات طيبة. فالوباء العالمي تمادى كثيراً، ومخاطره ألقت بظلالها على بلدان العالم، والعالم العربي من ضمنه، بل من صميم بنيته، إن ما ينبغي التنبه له هو القيام بنمط أو بأنماط مؤسسية تحقق ثلاثة أمور، هي: قراءة مفتوحة تتصل بالبنية والوظائف للظاهرة أولاً، والتمرُّس في جعل الوحدة الجدلية بين البنية والوظيفة قائمة على أساس أن الوظيفة تسهم في طرح أسئلة جديدة على البنية ثانياً، وثالثاً وأخيراً التأكيد على صرامة المساءلة في ضوء من الحرية الإبداعية المثيرة للأسئلة. وعلى كل حال، أنا أُحيّي العاملين في مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية، فمقاربة كافة تحولات المرحلة هي المطلب، وقد يتطلب الأمر كثيراً من البحث والجهد العلمي الجاد.