كتب الخبير في الجماعات الإسلامية مردا الشيشاني في موقع الـ«بي بي سي» العربي، مقالة حول دور الأناشيد «الجهادية» وتأثيرها ودورها العاطفي في الحشد والتجنيد، مشيراً إلى أن بداية الثمانينيات من القرن الماضي كانت بداية الموجة مع المنشدين السوريين. ويمثل واحد من المنشدين علامة بارزة تاريخية لا يمكن نسيانها، مثل أبومازن السوري الذي يعتبر خزاناً لا ينضب لكل المنشدين الذين جاؤوا بعده منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وكثير من ألحانه تم السطو عليها من منشدين لاحقين، حيث كانت مشاعاً لكل من رغب. وهناك منشدون أردنيون وخليجيون ومصريون قلة برزوا في فترة لاحقة لأبومازن في تلك الحقبة، وغالب تلك الأناشيد كانت مضمخة بالتوجع والألم والشعور بالهوان. القليل منها كان مشحوناً بالقوة والتحدي ونشوة النصر، ومنها ما كان مزيجاً بين الانكسار والشعور بالغربة والاغتراب والتباكي على المجد التليد، والفردوس المفقود والقدس السليب، والخلافة التي سقطت، وتكون أحياناً ممزوجة بأمل وتحدٍّ ووعد بالنصر. كانت كلها تحكي عن أحزان «الإخوان المسلمين»، وعن خيباتهم وانكساراتهم إثر فشل كثير من مخططاتهم، وردة فعل الحكومات في سوريا وفي مصر وغيرها. كانت أناشيد أبومازن السوري هي المرجعية لكل الأناشيد الإسلامية العامة وتلك «الجهادية» حتى المعاصر منها. وفي المقابل كانت الأناشيد الدينية التي تعظم الله، وتتحدث عن صفاء النفس، والإخلاص، ومجاهدة الذات في التطهر لا تلقى أي تشجيع ولا أي دعم، وهو الأمر الذي كان مثيراً للتساؤل دائماً، وقد كان من الغريب أن الجو العام في مجاميع الصحوة كان يميل إلى عدم الارتياح إلى هذا النوع، لم يكن هناك انزعاج عندما تم تصنيفها ضمن البدع المنكرة. ومع أن الصحوة كانت تشمل شعراء ينصب اهتمامهم على هذا الجانب الروحي، إلا أنه لم يكن يلبي المطلوب والهدف النهائي، فقد كان الهدف هو فقط تربية خاصة ودعم نوع خاص من الأناشيد الإسلامية، التي تسهم عاطفياً ووجدانياً في بناء شاب يشعر بالتذمر والخوف من الأخطار والحنق على الحكام، ويجد في جماعته الصغيرة وفي مرشدها الذي يدين له بالطاعة التامة الأمان والنجاة، ومع أن «الجهاد» كان أحد أسس هذه التربية، إلا أن المعنى هو فقط الوعي بضرورة الإطاحة بالطغاة. أي أن الجانب الروحاني قد همش لصالح التسييس. في نهاية الثمانينيات أعيد ضخ بعض القصائد التي كانت موجهة ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر مثلاً، بعض من القراء سيتذكرون جيداً نشيد «أبتاه ماذا قد يخط بناني»، ذلك اللحن الأسيف، وتلك الكلمات التي كانت تسيل المآقي وتغرقنا في جو من الألم العميق والشعور الموهم بأنه أنت، أنت يا من تصغي من يجب عليك إنقاذ الأمة الإسلامية من هوانها، والثورة على طغاتها، ذلك النشيد الذي تحكي كلماته تحكي قصة مناضل جزائري في فترة الاستعمار الفرنسي -وذلك ما لم نكن نعرفه- ولكنها كانت تعمل أثرها في شباب ومراهقي جماعات المكتبات وحلق التحفيظ وشباب الصحوة، مع إيحاء شديد التأثير بأن هذه المعاناة كانت معاناة أخ مسلم ضد حكام بلاده من الطغاة والمستبدين أذناب الغرب، من أبناء جلدتنا. وفي عقد التسعينيات كان النشيد الإسلامي في السعودية يعيش عصر ازدهاره وألقه. معظم ما أنتج في الجزيرة العربية في الثمانينيات على غرار هذه الأناشيد الرائدة كانت محاكاة لها، كانت أناشيد للرعيل الأول تمتح من أشعار يوسف العظم شاعر «الإخوان المسلمين» الذي عرف بـ«شاعر المسجد الأقصى»، ولغيره من الشعراء كالأردني أبوهلالة، وفي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد بعد صعود الإسلام الصحوي جاءت موجة جديدة، سأتحدث عنها لاحقاً.