يخطئ اليابانيون إذا كان انطباعهم عن انتخابات يوم الأحد أنها تتعلق بالأداء الاقتصادي، فما يريدون حقاً تسليط الضوء عليه هو تكاليف اللامبالاة المزمنة. وكما قال فيلسوف القرن الـ19 «جوزيف دي ميستر» ساخراً: إن كل دولة تحصل على الزعماء الذين تستحقهم. وقد راهنت حكومة رئيس الوزراء «شينزو آبي»، ولعامين، على قرارات كبيرة كُلفت بمعالجتها. وتظهر استطلاعات الرأي أن الاقتصاد هو أكثر ما يثير قلق الناخبين الذين يعتقدون أنه يسير على المسار الخطأ (فالاقتصاد يعاني حالة ركود). لكن مع توقعات بأن يبلغ الإقبال أدنى مستوياته، فإن «الحزب الليبرالي الديمقراطي» الحاكم، الذي وضع اليابان على هذا المسار، قد يحقق انتصاراً ساحقاً. ويزعم «آبي» أن فترة ولاية جديدة ستساعده على إقناع الأعضاء المترددين من حزبه ببرنامجه لإنعاش الاقتصاد المعروف باسم «الأبينومكس». وهناك من سبب وجيه لتصديقه. ففي العامين الماضيين، وحتى مع ارتفاع عدم المساواة بمعدلات أسرع من أعباء ديون طوكيو وتحول الموظفين في اليابان إلى العمل بشكل جزئي، كان «آبي» يعطي اهتماماً مفرطاً لأشياء أخرى. فقد أصدر قوانين سرية مثيرة للجدل، وجعل هدفاً غير ديمقراطي يتملص من الدستور السلمي، وأبعد الصين وكوريا الجنوبية، وحاول إعادة تشغيل مفاعلات نووية وسط معارضة شعبية واسعة. لذا، فإن مكافأة حزب «آبي» في الانتخابات الحالية ربما تؤدي إلى مزيد من الإجراءات المماثلة، بدلاً من إحداث دفعة لتحرير اليابان من قيودها. فلماذا يوشك الناخبون على فعل هذا؟ بالنسبة لي، هذه الانتخابات بمثابة تذكير بأن اليابان لا تزال دولة الحزب الواحد. ومع بعض الاستثناءات الوجيزة، ظل «الحزب الليبرالي الديمقراطي» يحكم اليابان منذ 1955. وحتى إبان أوقات القوة ـ من 1993-1994، ومن 2009-2012 – لم يُنحِ الحزب أفكاره جانباً. وينبع وصفنا للحزب الديمقراطي الياباني بـ«المعارضة» من رغبة أكثر من كونه حقيقة، فهو مليء باللاجئين القادمين من «الحزب الليبرالي الديمقراطي». والواقع أن السؤال المهم بالنسبة لمعظم اليابانيين لا يتعلق بمن سينتخبونهم، لكن ما إذا كانوا يهتمون حقاً. و«آبي» يعرف ذلك جيداً. وكتب «كولن جونز»، أستاذ القانون بجامعة «دوشيشا»، كيوتو، في صحيفة «جابان تايمز»: «أعتقد أن هناك شخصاً ما أدرك أن الناخبين الذين خاب أملهم سيجعلون الأمور تمضي بصورة أسهل». وفي مقاله بعنوان «الاختلال الوظيفي للعملية الانتخابية يجعل الناخبين في اليابان يشعرون بالعجز»، كتب «جونز»: «الجميع يبدون في حيرة من هذه الانتخابات، ربما باستثناء الرجل الذي دعا إليها، وهو شينزو آبي. فأحزاب المعارضة في حالة من الفوضى، ومن غير المتوقع أن تحقق مكاسب سياسية ذات مغزى. وليس هناك بوادر واضحة على حدوث انشقاق في حزب آبي، والسؤال المنطقي الذي يجري على ألسنة الكثيرين من الشخص الذي تخاض هذه الانتخابات من أجله؟». أثناء رحلة قمت بها مؤخراً لمدينة كوماموتو الغربية، تجاذبت أطراف الحديث مع ثمانية يابانيين في مطلع العشرينيات. وقد ذكروا جميعاً أنهم لم يشعروا بعد بفوائد سياسية لـ«أبينومكس». ولم يكن أي منهم يعتزم التصويت في انتخابات الأحد، وكذلك لا أحد من أقرانهم من الشباب. ويجب أن يُحمِّل الناخبون «آبي» مسؤولية عدم الوفاء بالتعهدات التي قطعها لزيادة الأجور، وتعزيز الابتكار وخفض الحواجز التجارية وتجنب حدوث أزمة ديون في السنوات المقبلة. لكنه بدلا من ذلك حث بنك اليابان على تحطيم الين وطلب من صندوق التقاعد الحكومي شراء الأسهم، في إطار تنفيذ أجندة قومية محافظة. وتبدو فترة الولاية الثانية لآبي، على نحو غير ملائم، شبيهة بولايته عامي 2006-2007. ففي ذلك الحين، كان رئيس الوزراء يتحدث كثيراً بشأن تنفيذ برنامج إعادة الهيكلة الذي وضعه سلفه «جونيشيرو كويزومي» فقط، ليشتت الانتباه بمشاريع صغيرة مثل تشجيع «الوطنية» في المناهج الدراسية وضمان أن «عرش الأقحوان» لن ترثه امرأة. إن اللامبالاة لها عواقبها. ومن خلال مكافأة «آبي» على عمل لم يقم به، فإن الناخبين يمنحونه تفويضاً لمواصلة قيادته لليابان في المسار الخطأ. ---------------- محلل سياسي أميركي ----------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»