شكلت الجريمة الإرهابية التي أدت إلى مقتل مقيمةٍ أميركية تعمل مُدرسة أطفال في أحد الأسواق العامة في جزيرة الريم بالعاصمة أبوظبي الأسبوع قبل الماضي، ومحاولة استهداف طبيب أميركي آخر من أصل عربي من خلال وضع «قنبلة بدائية الصنع» أمام منزله في إحدى البنايات السكانية على كورنيش أبوظبي صدمة للرأي العام الإماراتي وكل المقيمين على هذه الأرض الطيبة. ومصدر الصدمة أنها كانت المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ عمليات قتل واستهداف على الهوية لأفراد مسالمين في بلد معروف إقليمياً وعالمياً بأنه أكثر البلدان تسامحاً؛ حيث تعيش على أرضه الطيبة أكثر من 200 جنسية في ود وتلاحم وتعايش يُضرب به المثل في كل مكان، وأكثرها أمناً واستقراراً بفضل كفاءة أجهزتها الأمنية بقيادة الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، وزير الداخلية، الذي أعلن بنفسه في مؤتمر صحفي تفاصيل هذه الجريمة النكراء ونجاح رجال الأمن في حلها في وقت قياسي والقبض على المتهمة الرئيسية فيها في أقل من ثلاثة أيامٍ، وهو ما عزز الثقة في نفوس المواطنين والمقيمين على السواء، وبعث برسالة واضحة مؤداها أن الدولة واقفة بالمرصاد لأي محاولات تريد العبث بأمنها واستقرارها، وأن سيف العدالة سيقتص من كل العابثين والمجرمين. لقد استهدفت الجريمتان مواطنين من جنسية محددة، وكان الهدف هو إحداث حالة من البلبلة الأمنية وتوجيه رسالة سلبية للخارج عن حالة الأمن بالبلاد، لكن النتائج جاءت عكسية تماماً، واتضح للعالم بأسره أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت وستظل واحة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم بفضل جهود أجهزتها الأمنية، وما تشهده بنيتها الأمنية التحتية من تطور، سواء على مستوى الأجهزة والمعدات، أو على مستوى كفاءة الأفراد وبرامج التأهيل والتدريب والمراقبة والتحليل. أثبتت هذه الجريمة الإرهابية النكراء صحة ما سبق أن ذهبنا إليه في مقال سابق في هذه الصحيفة الغراء من خلال تأكيد خطورة شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة في تشجيع التطرف والإرهاب، حيث أكدت التحقيقات أن المتهمة الموقوفة في الجريمتين كانت تتردد في الآونة الأخيرة على بعض المواقع الإلكترونية الإرهابية المنتشرة على الشبكة العنكبوتية، والتي أدت بدورها إلى اكتسابها الفكر الإرهابي، ودراسة آلية صنع القنابل المتفجرة، وهو ما يؤكد أهمية المراقبة الدقيقة لهذه الشبكات والمواقع على مدار الساعة من أجل تعزيز استراتيجية الأمن الوقائي أو الاستباقي بما يحد من ارتكاب مثل هذه العمليات، ويحمي أجيالنا وشبابنا أيضاً من خطر التوظيف السيئ لهذه الشبكات والمواقع من قبل المتطرفين والإرهابيين. كما أثبتت هذه الجريمة الإرهابية بُعد نظر قيادتنا الرشيدة في التعامل الجاد مع خطر التطرف والإرهاب، من خلال سلسلة من الإجراءات التي تستهدف توفير الحماية والحصانة للدولة والمجتمع ضد الأخطار الإرهابية، وفي مقدمتها القانون رقم /7/ لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية، الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، الذي يشدد العقوبات على الجرائم الإرهابية التي تهدد استقرار الدولة وسلامتها أو وحدتها وأمنها الوطني، بما في ذلك عمليات الدعم والدعاية والتمويل للجماعات والعناصر الإرهابية أو حتى الامتناع عن إبلاغ السلطات بوجود خطر إرهابي محتمل حال العلم به، واعتماد مجلس الوزراء في 15 نوفمبر 2014 قائمة المنظمات والجماعات التي صنفتها الدولة باعتبارها منظمات إرهابية، والتي ضمت 85 منظمة وجماعة منتشرة في أرجاء العالم، وتم الإعلان عن أسمائها بشفافية وموضوعية. وقد عكست هذه القائمة المفهوم الواسع لدولة الإمارات العربية المتحدة للإرهاب، والذي لا يقتصر فقط على ممارسة العنف المباشر، وإنما يضم أيضاً كل المنظمات والجماعات التي تقدم الدعم والتمويل للتنظيمات المتطرفة، وتلك التي تساهم في نشر الفكر المتطرف والدفاع عنه. كما أطلقت الدولة العديد من المبادرات الرائدة في مجال محاربة الفكر المتطرف والإرهاب، من أبرزها تنظيم المنتدى العالمي لـ«تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» الذي عقد في العاصمة أبوظبي في مارس 2014، وخرج بالعديد من التوصيات المهمة، من أهمها إنشاء «مجلس حكماء المسلمين» لتعزيز السلام في المجتمعات الإسلامية، وهو المجلس الذي تشكل بالفعل في يوليو 2014 برئاسة شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب. كما عقدت في السياق ذاته الدورة الثالثة من «مؤتمر دبي للسلام العالمي» خلال الفترة من 17-19 أبريل 2014، بمشاركة نخبة من العلماء ورجال الدين من مختلف الدول العربية والإسلامية، ومؤتمر ومنتدى الأديان الذي اختتم أعماله قبل يومين في أبوظبي، والذي جمع كبار المفكرين والعلماء من جميع أنحاء العالم، والذي دعا إلى اتخاذ إجراءات فاعلم لمواجهة التطرف والإرهاب. ومن المبادرات المهمة هنا أيضاً إنشاء المركز الدولي للتميز لمكافحة التطرف العنيف «هداية»، الذي افتتح في ديسمبر 2012 لترسيخ قيم الاعتدال والوسطية ومواجهة نزعات العنف والإرهاب. وكل هذه الجهود تؤكد بجلاء أن الأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة محصن ويزداد منعة يوماً بعد يوم، ويعزز ثقتنا بأن هذه الأرض الطيبة ستظل واحة للأمن والاستقرار والرفاهية في المنطقة والعالم. باحثة إماراتية