تناقلت بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أن الأزهر يكفّر «تنظيم داعش» الإرهابي المعروف، وقد أصدر الأزهر بياناً يشرح فيه ما جرى من حديثٍ على لسان مفتي نيجيريا إبراهيم صالح الحسيني في مؤتمر للأزهر، وأنه لم يكفر «داعش». مسألة تكفير الإرهاب هي مسألة ذات بعد تاريخي فقهي وحديث مدني، أما التاريخي الفقهي فإنه منذ أزمة الخوارج في صدر الإسلام كانت مسألة خلافيةً بين الصحابة وفيها نقولاتٌ عديدةٌ لا نريد الخوض فيها، ولكنها كانت تشنّع عليهم بكل السبل وتحاربهم وتقاتلهم وتقتلهم، أما الحديث المدني فهو أن «التكفير» أصبح هو السمة الغالبة لجماعات الإرهاب الديني في الإسلام، التي لا يكاد يذكر الإرهاب إلا وارتبط بها، إنه قاعدة مهمة لتكوين الشخصية الإرهابية وحشد الأتباع وتجنيدهم للقيام بالأعمال الإرهابية، والدولة الحديثة ليست معنية بالكشف عن ضمائر الناس والفحص عن إيمانهم، بل هي معنية بتطبيق القوانين والأنظمة الصارمة على كل مخالف لها، وكل عنصرٍ يتعدى بالأذى على غيره، وقوانين مكافحة الإرهاب والحرب الشاملة ضده على كافة المستويات دينياً وثقافياً وإعلامياً ومجتمعياً وتعليمياً وغيرها كفيلة بتشويهه والقضاء عليه دون الحاجة لتكفيره. نعم يوجد بعض الفقهاء ممن يكفرون الإرهاب ومؤسساته والعناصر المنتمية إليه، ولكن السؤال هل هذا هو أفضل الطرق لمواجهته؟ أي هل تكفير الإرهاب يشكل أفضل الحلول أم أنه يمثل انسياقاً معه في منهجه وخطابه؟ وللجواب على هذا، فإن غالب المنخرطين في مواجهة الإرهاب يومياً وبشكل عملي يميلون إلى دعم تكفير الإرهاب كمخرج سريع وحل جذري ومباشر، ولكن النظر للسؤال برؤية أوسع ومدى طويل تؤكد أن موضوع «التكفير» والغلو فيه هو موضوع يمثل ثيمة أصلية للخطابات الإرهابية ورفضه بشدة وبقوة وتحجيمه ومواجهته دينياً وقانونياً وسياسياً هو الحل الأفضل والسبيل الأمثل لإضعاف الإرهاب والقضاء عليه. إن الخوض في هذه المسألة ليس جديداً، بل إنه لم يزل يُثار منذ عقود، أي منذ بروز جماعات الإسلام السياسي التي تبنت العنف وأولها جماعة "الإخوان المسلمين" وجهازها السري وتنظيمها الخاص، وقد كان أول من انساق وراء تكفير الإرهاب لغرض البراءة من أتباعه هو حسن البنا في مقاله الشهير «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، فالجزء الثاني من العنوان يشير إلى تكفيره لأتباعه من عناصر التنظيم الخاص. وقد بقي الموقف تجاه هذا السؤال في صعود وهبوط، فكلما اشتد الإرهاب واشتدت مواجهته علت الأصوات بتكفير الإرهاب والإرهابيين، وكلما ضعفوا عادت السؤال ليعرض كمسألة خلافيةٍ، يصح هذا في الموقف من تنظيم سيد قطب في منتصف الستينيات وبعده مع تنظيمات الإرهاب في السبعينيات في مصر، وبعده في الموقف من تنظيمات الإرهاب في التسعينيات في مصر، وعلت الدعوة لتكفير الإرهاب مع انتشار جرائم تنظيم "القاعدة" في البلدان الإسلامية وفي العالم، وها هي تعود مع «تنظيم داعش» الذي هو أبشع وأشنع من كل ما سبقه وإن كان نتاجاً له. وبشكلٍ عمليٍ فإنه ما دام «تكفير الإرهاب» لم يجد في المراحل السابقة، فإنه لن يجدي في الحاضر والمستقبل، والأنجع هو مواجهته بشكلٍ شاملٍ دينياً وسياسياً وقانونياً وتعليمياً وغيرها مما سبق، والاعتماد على قطع أصل «التكفير» وتحجيمه وتقزيمه ووضع القيود والشروط والمعايير الرافضة له من الأساس والقاطعة، لأي توسعٍ أو انتشارٍ له كمفهومٍ، ففي ذلك قطعٍ لمادة شره وشروره. لقد أبان بيان الأزهر عن منهج رشيد في التشديد على رفض تكفير الناس وإخراجهم من الملة ورفض أي سبيلٍ للتساهل في ذلك، وهو موقف مبدئي صارم ينبني عليه رفض دائم لمفهومٍ لم تزل الجماعات الإرهابية تجعله في موضع الصدارة في خطابها وفتاواها وعملياتها التنفيذية. لقد تعمدت عدم التطرق للخلافات التراثية في موضوع كهذا لتشعبها الكبير، وعلى الرغم من أن ثمة نصوصاً لبعض الفقهاء الذين يزعم الإرهابيون الانتماء إليهم كابن تيمية الذي له نصوص متعددة ترفض حتى تكفير منكر المعلوم من الدين بالضرورة إلا أن الأصل يجب أن يكون الانطلاق من الواقع وتحدياته وأفضل الطرق لمعالجة ظاهرة الإرهاب ككل ومفهوم «التكفير» الذي يقع في القلب منها.أخيراً، فقد أشار بيان الأزهر إلى «أن المؤتمر في الأساس عقد لمواجهة فكرة تكفير الآخر وإخراجه من الملة» وأضاف «إنه لو حكمنا بكفرهم لصرنا مثلهم ووقعنا في فتنة التكفير، وهو ما لا يمكن لمنهج الأزهر الوسطي المعتدل أن يقبله بحال».