بدأ الاهتمام بالدراسات المستقبلية والاستراتيجية في الغرب منذ أكثر من قرن من الزمان. وهناك الآن مراكز بحثية منتشرة في كل الجامعات الغربية، تساهم مساهمة فعالة في ترشيد القرار السياسي والاقتصادي في الدول الديمقراطية الغربية، لأنها مراكز مزودة بالخبراء والمستشارين في التخصصات المختلفة. لذلك تلجأ الحكومات لمثل هذه المراكز لتزويدها بالمعلومات العلمية وطرح البدائل المختلفة لصاحب القرار السياسي. ومن هنا لا غرابة في وجود أكثر من 7000 مركز دراسات وبحوث استراتيجية حول العالم، نصيب دول الشرق الأوسط منها 500 مركز، ونصيب الدول العربية منها حوالى 50 مركزاً، أما نصيب دول الخليج العربية فأقل من أصابع اليد الواحدة. أهم المراكز العربية «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، و«مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات»، و«مركز دراسات الشرق الأوسط» في الأردن، و«مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» الذي احتفل الأسبوع الماضي بمرور عشرين عاماً على تأسيسه في عام 1994 ليكون داعماً رئيسياً لعملية صنع القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد ساهم في بلورة «رؤية الإمارات 2021» و«رؤية أبوظبي 2030».. ولا يتسع المجال هنا لذكر فعاليات المركز وأنشطته وإسهاماته في كل المجالات طوال عشرين سنة الماضية، لكن يكفي أن نذكر بأنه يعتبر المركز الأول على مستوى الخليج، إذ أصدر أكثر من 1000 كتاب متخصص، وله سلاسل إصدارات متعددة أهمها سلسلة «دراسات عالمية» التي تُعنى بنشر ترجمات لأبرز الدراسات المنشورة في الدوريات العالمية باللغات المختلفة، كما يصدر المركز سلسلة أخرى بعنوان «دراسات استراتيجية» تهتم بالبحوث والدراسات في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاستراتيجية، علاوة على سلسلة «محاضرات الإمارات» التي تتناول الندوات والمحاضرات وورش العمل الخاصة بدولة الإمارات والخليج والوطن العربي. لقد رصد المركز في احتفالاته تجارب المراكز البحثية في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والوطن العربي، من خلال إلقاء محاضرات من مديري هذه المراكز حول تجاربهم المختلفة ومساهماتهم الفعالة في ترشيد القرار في بلدانهم. ما يهمنا هنا وجهة نظر الأكاديميين والباحثين العرب عن تجاربهم في العمل في المراكز البحثية، وما إذا كان المسؤولون العرب يهتمون بمثل هذه المراكز أم أنهم ينظرون إليها نظرة دونية وكأنها مجرد ترف فكري! والسؤال هو: كيف يمكن إقناع القادة العرب بأهمية المراكز العلمية لمساعدة صاحب القرار في اتخاذ قراره وترشيده؟ لقد دار جدل حول مدى استفادة القادة العرب من مراكز البحوث في بلدانهم.. وحول ما إذا كان أصحاب القرار في الدول العربية يطلبون معلومات ودراسات عن المواضيع التي ينبغي اتخاذ القرار فيها.. وهل المراكز البحثية العربية حرة في إبداء رأيها باستقلالية تامة عن رأي الحكومات في بلدانها؟ يبدو أن معظم مستشاري أصحاب القرار في الدول الغربية ذوو خلفية علمية وعملية على صلة بمراكز البحوث والدراسات. وكما أكد المحاضرون الغربيون فإن مراكزهم البحثية، حتى وإن كانت حكومية، فهي تحظى باستقلالية تامة في كتابة تقاريرها، إذ عليها أن تلتزم بالموضوعية والحيادية والاستقلالية في الرأي. وأخيراً نتمنى لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية التألق والازدهار أكثر في مجال الدراسات والبحوث الاستراتيجية. د. شملان يوسف العيسى