قبل أيام قلائل من نشر تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي تحت عنوان «تقرير التعذيب»، والذي يتعرض لتفاصيل التكتيكات التي استخدمها محققو الولايات المتحدة لاستنطاق المعتقلين السياسيين، والذي تضمن إشارة واضحة مفادها أن وكالة المخابرات المركزية عالجت الموضوع دون استشارة البيت الأبيض أو الكونجرس، وكان مسؤولو إدارة بوش الابن على أهبة الاستعداد للدفاع عن أنفسهم. وتزعّم حملة الردّ على التقرير ديك تشيني نائب الرئيس السابق، وهو العرّاب الحقيقي لبرنامج «الاستنطاق القسري». وقال في حوار مع «نيويورك تايمز» أن التقرير «حزمة من الترهات وكل هذا الذي أسمعه حول الموضوع لا يعدو أن يكون مجرد صورة شريرة مغرضة لما حدث». وأكد أن البرنامج حصل على الموافقة الحكومية اللازمة، ولم يكن في نيّة الوكالة على الإطلاق العمل من دون تفويض رسمي. ويضاف إلى كل ذلك أن الوكالة حرصت على عرض الموضوع على الجهات القانونية في وزارة العدل قبل الشروع في تنفيذ البرنامج. وقال تشيني أيضاً إن الادعاء بأن الوكالة تجاهلت الحصول على موافقة البيت الأبيض حول إجازة استخدام تقنيات استنطاق المعتقلين هو «مجرد سُخام أسود». وأضاف: «ولو تسنّت لي الفرصة لما ترددت في فعل الأمر ذاته مرة أخرى». وأدلى تشيني بأقواله هذه يوم الاثنين الماضي. وفي اليوم التالي، أصدرت لجنة المخابرات في مجلس النواب ملخصاً تنفيذياً حول تحقيقاتها التي أنجزتها ضمن برنامج الاستجواب القسري للمعتقلين. وبعد خمس سنوات من العمل بالبرنامج، وجه التقرير اتهامات قاسية لوكالة المخابرات المركزية باستخدام تقنيات التعذيب. ومن بين أهم القضايا التي كشف عنها التقرير، تلك التي تشير إلى أن تقنيات التعذيب المستخدمة لم تساعد الوكالة على إحراز تقدم يذكر في تحقيقاتها، وأنها تجاوزت صلاحياتها عندما تغافلت عن الحصول على موافقة البيت الأبيض والكونجرس حتى يكتسب البرنامج القوة القانونية اللازمة للتنفيذ. وعلى أن تشيني الذي زعم بأنه لم يقرأ التقرير في الوقت الذي أدلى به بحديثه إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، قال: «لقد كانت تقنيات الاستنطاق القسري كلها شرعية من دون أي استثناء، وأولئك الذين أشرفوا على تنفيذ البرنامج يستحقون منا الشكر والثناء لا السبّ والتقريظ، ومن حقهم علينا أن نبرز إنجازاتهم لا أن نوجه إليهم الانتقادات اللاذعة». ولفت تشيني أيضاً إلى أنه لم يشعر أبداً أن وكالة المخابرات المركزية تجاوزت صلاحيات البيت الأبيض فيما يتعلق بإجازة البرنامج، كما أعرب عن عدم اعتقاده بأن الوكالة بالغت في حديثها عن الفوائد الحقيقية التي تمكنت من تحقيقها من خلال استخدام تقنيات الاستنطاق. وأشار إلى أن مروّجي الانتقادات تناسوا بأن برنامج الاستنطاق ساعد على منع تكرار 11 سبتمبر آخر. وقال: «عندما شرعنا في تنفيذ البرنامج، تمكنّا من الإبقاء على وطننا آمناً من أخطار وقوع هجمات إرهابية جديدة يمكن أن تخلف أعداداً كبيرة من الضحايا. هكذا كان هدفنا». ومن الجدير بالذكر أن بعض المشرّعين «الجمهوريين» انتقدوا برنامج التعذيب. ومن هؤلاء السيناتور «راند بول»، الذي قال إن على الحكومة أن تتحلى بكم أكبر من الشفافية، ويجب أن يكون لها موقف واضح ضد التعذيب. إلا أن المؤيد الأكبر لنشر تقرير التعذيب هو السيناتور «الجمهوري» جون ماكين الذي كان هو ذاته أحد ضحايا التعذيب عندما وقع أسيراً خلال الحرب الفيتنامية. وكال «ماكين» الانتقادات لوكالة المخابرات المركزية بسبب ممارساتها التي أساءت لسمعة الولايات المتحدة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»