مرت الإمارات خلال الأيام الماضية بحدث إرهابي على الصعيد الشخصي كما عبرت عنه الجهات المختصة، فقد قتلت امرأة مواطنة، ضحيتها بكل وحشية في مركز تجاري، ثم همت بما هو أكبر من ذلك، لكن لطف الله ويقظة العين الساهرة كانت لها بالمرصاد، فلم تتجاوز الفعلة ساعاتها الأولى، وإذا بخيوط القضية تتضح، ويتم القبض على مرتكبتها، فرسالة شكر نوجهها لمن يسهر على أمن الوطن، ومن يعيش على ثراه، وفي هذا الحدث وما أثير حوله رسائل بحاجة إلى وقفة. الرسالة الأولى ترفع للجهات المختصة في وزارة الداخلية على جهدها المشكور، لكن هذه الحادثة بينت لنا أهمية الدور الذي لعبه جهاز الإعلام الأمني، فمن أول يوم وقبل تطور الإشاعات تم بث شريط مصور للحادثة، وطلب مساعدة الجمهور للتعرف على مرتكبها والتبليغ عن المعلومات التي قد تفيد في رسم صورة أوضح للجريمة. الناس في الإمارات شركاء في حفظ أمن هذا الوطن، هذا ما فهمناه من الإعلام الأمني ورسائله، ولما حلت القضية كان المؤتمر الإعلامي لوزير الداخلية ، نائب رئيس مجلس الوزراء، الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان الذي وضع القضية في الميزان وبين ما يحتاجه الناس من معلومات. الدرس الأول يتلخص في أهمية القائمين على الإعلام الأمني فلهم مني خالص التقدير، لأن كتمان المعلومات يسرع في تحويلها إلى إشاعات قد يصدقها من قلت حكمته، الشفافية في نشر المعلومات حول القضية نهج نتمنى أن يتبنى لكل القضايا التي تهم المجتمع. الرسالة الثانية، تتلخص في خطورة قنوات التواصل الالكترونية، فقد تبين أن الفاعلة تلقت جل فكرها ومهاراتها من مواقع الكترونية، هذا الموضوع بحاجة إلى جهاز جديد في دولة الإمارات أو تطوير ما هو قائم من أجل حماية الوطن من هذه الهجمات الالكترونية الخطرة، فالإرهاب اليوم عابر للقارات، ولا تحده المساحات الجغرافية ولا الحدود الطبيعية، كما أن مناهج التعليم، وجهات التوعية العامة بحاجة ماسة لتنظيم برامج متخصصة في تعليم الناس مهارات التفكير الناقد من أجل بناء جهاز مناعة ذاتي عند كل فرد، ليعرف الحق من الباطل، وكي يسهم كل إنسان في حماية الأوطان عبر التبليغ عن مثل هذه المواقع الخطرة على فكر الفرد ووحدة المجتمع. الرسالة الثالثة، مرتبطة بالمساجلات التي أثارها مقال ربط الجريمة بالنقاب، لن أتكلم عن الموقف الشرعي من النقاب فليس هذا مجال تخصصي، وقد سبقني من هو أعلم مني في بيان هذا الأمر. ما لم يعجبني صراحة مستوى الحوار الذي جرى، نعم كانت هناك عقول واعيه وردود وافية، لكن مستوى الحوار عند البعض كان دون الحد المطلوب في أدب الاختلاف. هناك قضايا كثيرة في مجتمع الإمارات بحاجة إلى نضج في التحاور حولها، فإن لم نتعلم إلى الآن أدب الاختلاف وأساليب النقاش والحوار العاقل عند الكتابة أو مناقشة مثل هذه القضايا، فإن هذا يعد ناقوس خطر في تركيبة العقل لدى البعض. فمن السهل جداً اتهام من يخالفنا بالتآمر على قيمنا، أو ربما أنه يحقق أجندة غريبة عن مجتمعنا، أو غير ذلك من التهم أو الانتقال من مناقشة الفكرة إلى التشنيع بصاحبها، لكن هذه الأمور تذيب العلاقات والأواصر بين أبناء المجتمع الواحد وتحوله من وطن للكل، إلى طوائف كل حزب بما لديهم فرحون. معالجة هذه القضية تتلخص في تعلم أدب الحوار مع من نختلف معه، والارتقاء بالخطاب كي يكون عقلانياً وليس عاطفياً، الحوار العقلي مرتبط بالحقائق والمنطق، لكن العاجز هو من يحمّل حواره أدلة عاطفية وتهماً واهية.