كل ما يهم السياسة الإيرانية في أكثر من بقعة عربية هو الإبقاء على البلدان التي تمتد أذرعها إليها في حالة انقسام واشتعال طائفي لا يتوقف، وكل ما يهمها في سوريا هو أن تحافظ على بقاء نظام بشار الأسد الذي تحوّل بدوره إلى آلة عنف عمياء، فيما بات واضحاً أن انحياز طهران لعنف الآلة السورية يندرج ضمن حالة عبث مستمرة لا تعطي أولوية لتحقيق انفراج يفضي إلى وقف نزيف الدم وعودة السلم الأهلي الذي يفترض أن يكون مقدماً على بقاء نظام الأسد. على هذا الأساس تقوم السياسة الإيرانية، وصار تعصب طهران لنظام القتل بالبراميل المتفجرة بعيداً منذ فترة طويلة عن كونه انحيازاً لسلطة دولة، فقوات الأسد التي شردت وقتلت آلاف السوريين لا تختلف عن عصابات «داعش» وما يماثلها إلا بالاستناد إلى تمثيل شبح «الدولة» وشخصيتها الاعتبارية الآفلة، وهذا فعل لا يمكن أن يعبر عن نظام يحكم شعباً، بقدر ما يمثل وكيلاً لحراسة العناد والصلف والتضحية بكل شيء والركون إلى التعويل على المؤتمرات والترتيبات التي تجريها طهران بغية استمرار الحرب السورية، لأنها ترى في تأجيل سقوط النظام وبقائه يقاتل لفترة طويلة انتصاراً بحد ذاته مهما كانت النتائج المترتبة على استمرار الصراع، وهذا ما تروج له وسائل الإعلام القريبة من طهران الغارقة في هوس التدخل لإثبات سطوتها أياً كان الثمن. الجديد الذي تناقلته الأخبار استضافة طهران لمؤتمر ضم جماعات دينية من بلدان مختلفة، ولم تتوقف طهران بالتوازي مع تدخلها المباشر في سوريا عن عقد مؤتمرات علنية وأخرى سرية، والمؤتمر الأخير كان سرياً وعقد على هامش مؤتمر آخر علني بعنوان «العالم في مواجهة العنف والتطرف»، والذي حاولت عبره طهران تنظيم تظاهرة شكلية موازية للتحالف الدولي لمحاربة «داعش» الذي لم تكن مدعوة للمشاركة فيه. آخر مؤتمرات طهران السرية يهدف كذلك من خلال حشده مليشيات إسلاموية موالية لطهران إلى تقوية الحلف الطائفي الذي تقوده، سواء في الضاحية الجنوبية ببيروت أو في البحرين أو في بغداد أو صعدة اليمنية التي انطلق منها الحوثيون للتمدد في باقي مناطق اليمن. العبث الإيراني في المنطقة منتج فعال للطائفية، وكلما ازدهرت الطائفية انحدرت السياسة وانتقلت كممارسة من حقل مجتمع الدولة الموحد الذي يتخذ من المواطنة والحقوق المتساوية معياراً للانتماء، إلى حقل الانقسامات والتشظيات والحروب الأهلية المدمرة. وعندما يتفشى هذا المرض الخبيث وتدخل المجتمعات في متاهة الانقسام وضياع الهوية الجامعة، تتطلب العودة إلى مربع الوحدة والسلم الأهلي مراحل زمنية وعقود طويلة. في المحصلة يمكن القول إن هذه هي السياسة، غير أن سياسة إيران في المنطقة لا تثمر سوى الخراب وازدهار الحالة الطائفية ونفخ النار فيها عبر أكثر من مكان. وحتى في ما يتعلق بالحرب ضد «داعش»، تتحول المساهمة الإيرانية إلى عبث ممنهج وإفراغ لشحنات طائفية لا تملك طهران إلا أن تنفثها بممارساتها واستراتيجيتها المخادعة في إطار الحرب ضد التنظيم الإرهابي. وتؤكد تحليلات سياسية مخاوف طهران من أن يؤدي نجاح التحالف الدولي لمحاربة «داعش» إلى التفرغ تالياً لإسقاط نظام الأسد، لذلك لا تبدو نوايا طهران جادة بشأن المساهمة في القضاء على «داعش»، بالنظر إلى أن هدفها الأول يتمثل في الإبقاء على النظام السوري. وثمة شواهد وممارسات على الأرض توضح أن الحرب ضد «داعش» في سوريا والعراق تحولت في نظر إيران إلى مناسبة لتسليح المليشيات الشيعية التي تتعملق يومياً، وسيكون العراق على موعد بفعل هذا الشحن والتسليح الطائفي مع تغول جماعات شيعية مسلحة أصبحت مدربة على القتل وإثارة النعرات الطائفية في البيئة الاجتماعية العراقية التي لم تشهد انقسامات على أساس مذهبي وطائفي كما شهدت مؤخراً منذ أن أصبح لطهران هذا الحضور الطاغي والتأثير الأبرز على المشهد السياسي في بغداد. الأخبار التي ترد من العراق بهذا الشأن تحكي أن المساهمات الناجحة للعشائر في محاربة «داعش» أعقبها تردد وممانعة للاستمرار في تسليح العشائر السنية. والمتداول بهذا الشأن هو أن إيقاف دعم وتسليح العشائر له خلفية طائفية وضغوط إيرانية تتماشى مع النزوع الطائفي لسياسة طهران في المنطقة.