بعد إطلاق النار وقتل الشاب الأسود «مايكل براون» في فيرجسون بولاية ميسوري مال «المحافظون» بشكل كبير إلى منح ضابط الشرطة المحلي «دارين ويلسون» فرصة الاستفادة من الشك. أما الليبراليون، فقد أصروا على أن استخدام القوة القاتلة ضد «بروان» كان غير مبرر، وأن الفشل في توجيه الاتهام إلى «ويلسون» يعكس العنصرية المتأصلة في النظام القضائي الجنائي الأميركي. فما شعور «المحافظين»، بعد أن شاهدوا المقطع المصور لـ«إريك جارنر»، وهو يموت خنقاً أثناء مواجهة مع شرطة نيويورك فيما يتعلق بجريمة بيعه السجائر المهربة؟ تختلف بالطبع مخاوف «المحافظين» عن مخاوف الليبراليين من خروج عملية تنفيذ القانون عن نطاق السيطرة. فيرجح إلى حد كبير أن يشير «المحافظون»، وخاصة أصحاب العقليات الليبرالية منهم إلى توسع الحكومة، باعتباره سبباً لانتهاكات الشرطة، وهو زعم يجده بعض الليبراليين على الأقل مضحكاً. ومن المرجح بشكل أقل أن يُرجع «المحافظون» وحشية الشرطة إلى العنصرية الصريحة،فالخوف من الشرطة، وهو واقع حياة للشبان السود أو داكني البشرة، خاصة المقيمين في أحياء تشتهر بجرائم العنف لا يعلمه اليمين الأميركي الذي نسبته الأكبر بين البيض المتواجدين في الضواحي أو الريف، لكن من التبسيط المخل النظر إلى اعتمادنا المفرط على السياسات العقابية للسيطرة على الجريمة عبر عدسات عنصرية. فقد أشار «جيمس فورمان» الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة «يل» إلى نشطاء سود كان لهم دور كبير في ظهور النظام الشرطي الصارم لمنع الجرائم الكبيرة، وفي تزايد عمليات الحبس في نهاية الستينات، وفي الدفاع عن قوانين«روكفيلر» سيئة السمعة بشأن المخدرات في ولاية نيويورك، وهذه القوانين هيئت التربة إلى موجة من الإجراءات المشابهة المشددة ضد الجريمة التي انتشرت في البلاد في الأعوام التالية. وذكرنا «فورمان» في أعماله بحقيقة أن الشبان السود واجهوا معدلات غير متناسبة بشكل مفزع من جرائم العنف، ما دفع عدداً ليس بالقليل من الأميركيين السود إلى مناصرة سياسات الإجراءات المشددة ضد الجريمة. ولو قبل «المحافظون» أن أسوأ التجاوزات في تنفيذ القانون يتعين كبحها، فما هي الخطوات المناسبة التالية؟ وهل هناك أرضية مشتركة مع الليبراليين الذين ينظرون إلى جذور الخلل الوظيفي في نظامنا القضائي الجنائي بطريقة مختلفة للغاية؟ علينا أولاً، بدلاً من التركيز على الكلفة بالدولار في إدارة النظام القضائي الجنائي أن نحسب المعاناة التي يتسبب فيها الاعتقال والاضطهاد والإدانة والحبس وكل المعوقات المتخلفة عن نعت «المدان السابق»، والخوف الذي يخلقه النظام الشرطي المفرط في عدوانيته. أي أن يكون هناك «ميزانية للعقاب» نقبل من خلالها أن يتسبب النظام القضائي الجنائي بدرجة ما من المعاناة، لكن إذا تسببت الإجراءات في زيادة المعاناة بطريقة ما، مثل حدوث زيادة في الاعتقالات، يتعين تقليص إجمالي المعاناة بطريقة ما، مثل تقليص أحكام السجن للضالعين في جرائم غير عنيفة، وهذا يفرض عمليات فحص جيدة للثغرات في القوانين والقواعد واللوائح الجديدة التي تعزز باطراد السلطات القسرية للحكومة، ووضع ميزانية للعقاب هي الخطوة الأولى التي يستطيع «اليمين» الالتفاف حولها. أما الخطوة الثانية، فهي التحلي بشفافية أكبر، فنحن بحاجة إلى بيانات أفضل يمكن الاعتماد عليها في النظام الشرطي، حتى يكون لدى التجمعات السكانية فكرة واضحة عما تفعله وكالات تنفيذ القانون المحلية. والخطوة الثالثة، تتمثل في مقاربة ذات طابع أكثر محلية للنظام القضائي الجنائي. وهناك نموذج مركز منطقة «رد هوك» القضائي الذي وظف أشخاصاً عليمين ببواطن واقع حيهم في بروكلين، وهو ما يفوضهم بممارسة إشراف مجتمعي وليس مجرد إرسال الضالعين في جرائم صغيرة إلى السجن. ولأن الرجال والنساء الذين يعملون في المركز يعرفون بشكل جيد الحي، فلديهم فهم أفضل عن أي الضالعين في الجرائم يمثل تهديداً أكبر ومستمراً للمواطنين الملتزمين بالقانون، وأيهم لا يحتاج إلى أكثر من إعادة التنظيم والانضباط في حياته، بل وجعل نهج المركز السكان المحليين يشعرون بأنه حليف يحافظ على أمن الحي، وليس عدواً يتطلع إلى انتزاع الشبان الواقعين في مشاكل من بينهم. محلل أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»