أدى الهجوم على معبد يهودي في القدس الشهر الماضي إلى جدل محتدم عن أسباب العنف. وطُرح الخطاب التهيجي الفلسطيني باعتباره أحدث الأسباب، لكن هذا تفسير خاطئ لمشكلة أعمق بكثير. فقد يجعل التحريض الأمور أسوأ، لكنه نادرا ما يكون السبب الأولي للعنف، بل النتيجة في الغالب. ومن عام 1998 إلى عام 2000 عملت في الجانب الأميركي من لجنة مناهضة التحريض الثلاثية الأميركية-الإسرائيلية الفلسطينية التي تمخضت عنها اتفاقات «واي ريفر»، وكان بنيامين نتنياهو في أول مهمة كرئيس لوزراء إسرائيل، وباعتباره معارضاً لاتفاقات أوسلو، فقد ضغط عليه بيل كلينتون ليشارك في المحادثات، وركز نتنياهو على «التحريض» الفلسطيني، باعتباره السبب في فشل مفاوضات السلام، وكانت اللجنة قد تأسست لإرضائه. ومنذ البداية، لم يستطع الإسرائيليون والفلسطينيون الاتفاق على تعريف للتحريض، فكان بوسع الإسرائيليين على سبيل المثال تقديم تصريح لرجل دين مسلم ضد إسرائيل، وكان الفلسطينيون يردون بالإشارة إلى إقامة مستوطنات أو وقائع لإهانة الفلسطينيين، وكان كل جانب يقلل من شأن أمثلة الآخر أو يرفضها ببساطة. ولم يحسم، ولن يحسم بدون تصور حقيقي عن السلام، ذاك الجدل بشأن أيهما أسوأ: استخدام إسرائيل لقوتها المهيمنة لتغيير حياة الفلسطينيين، أو الخطاب الفلسطيني المزعج، ولم يتحقق إلا قليل من التقدم في نهاية المطاف. وأحياناً يستغل التحريض الراغبون في عدم التوصل إلى مصالحة، لكن من المؤكد أن تأثيره في المجتمع أوسع نطاقاً. وهذا حقيقي بشكل خاص، عندما يكون هناك تشاؤم واسع الانتشار بشأن آفاق السلام، وفي وقت يعد فيه الناس أنفسهم للصراع، وهو شيء يصبح أسهل عندما تجري شيطنة العدو، ونشهد هذا وسط الإسرائيليين والعرب. وأظهر بحث أجريته ليتضمنه كتابي الذي عنوانه «العالم بعيون العرب» أن رد فعل الأغلبية في كلا الجانبين في بداية الأمر على سقوط ضحايا مدنيين من الجانب الآخر ليس التعاطف، بل شعور بأن الجانب الآخر هو من جنى على نفسه. وهذا ليس من صنع محض الكراهية، فمعظم الفلسطينيين رفضوا الإرهاب ضد الإسرائيليين في تسعينيات القرن الماضي، عندما كان هناك أمل حقيقي في السلام، وكانت غالبية كاسحة من الإسرائيليين ترفض طرد الفلسطينيين من ديارهم، وتغيرت الميول بعد انهيار المفاوضات. الاستفزاز والتحريض على القتال في الصراعات صعب، لأنه يخدم أهدافاً استراتيجية. فالجانب الأضعف يستخدم في الغالب التحريض لحشد الرغبة في مواصلة القتال كما يثبط التعاطف مع العدو، لأن هذا قد يفت في عزيمة القتال. وفي الغالب، يكون الاستفزاز أداة الجانب الأقوى الذي يستبق القتال لأنه أقوى، وأظهر البحث الذي قمت به أن مواجهة التحريض بمعلومات قد يضفي إنسانية على الجانب الآخر تؤدي إلى نتيجة معاكسة. فعندما يسمع العرب قصصا عن الهولوكوست، أو يتعرض الإسرائيليون لتقارير عن المعاناة التاريخية للفلسطينيين تكون النتيجة واحدة، وهي رفض المعلومات باعتبارها أدوات قصد بها استدرار التعاطف أو إضعاف إرادتهم. والزعماء العرب والإسرائيليون ضالعون في التحريض والاستفزاز، لكن درجة تأثير كلماتهم في حد ذاتها محل جدل. وبعد ما يقرب من خمسة عقود من الاحتلال لم يصبح الفلسطينيون أقرب للحرية، ولم يصبح الإسرائيليون أقرب للسلام وفقدت الغالبية الأمل في احتمال إقامة دولتين، والواقع أكثر قوة بكثير من أي قول، وفي ظل مشاعر غاضبة من الجمهور يكون لكلام الزعماء تأثير محدود، والتركيز على التحريض هو قرار سياسي في جانب منه. ولو كانت المفاوضات نجحت في صياغة سلام- إسرائيلي فلسطيني مستدام، لربما استمر بعض التحريض، لكن لم يكن ليلتفت إليه إلا قلة. وعلى العكس، فإن انهيار المفاوضات عام 2000 ووقوع المزيد من العنف كان من شأنه أن يلغي أي اتفاق لمناهضة التحريض. وحتى الإجراءات المحدودة في وسائل الإعلام والتعليم التي كانت مقبولة من الجانبين فيما يبدو طواها النسيان بمجرد أن بدأ عدد الضحايا في التزايد، وستظل منسية في ظل الوضع الحالي. وإذا تم التوصل إلى اتفاق يغري الغالبية في الجانبين سيتم تجاهل التحريض على نطاق واسع. وإذا فشلت المساعي لن توقف جهود الإعلام والعلاقات العامة حملات الاستفزاز والتحريض أو العنف الذي سيندلع مع هذه الحملات أو بدونها. أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميرلاند وباحث بارز في معهد بروكينجز لسياسة الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»