الآن وقد صدر تقرير مجلس الشيوخ الأميركي حول التعذيب الذي مارسته وكالة الاستخبارات المركزية، يظل السؤال الجوهري حول ما إذا كان هذا الكشف سيساهم بأي وجه من الوجوه في ملء الفراغ الأخلاقي على الصعيد العالمي وسد الثغرة الواضحة التي أحدثتها الولايات المتحدة في النسيج القيمي عندما ردت بعنف مفرط على هجمات 11 سبتمبر، فهل ستكون أميركا مرة أخرى قائدة العالم أخلاقياً؟ الحقيقة أن ردود الفعل العالمية تشير إلى أن هناك عملاً شاقاً وطويلاً ما زال ينتظر أميركا حتى تبلغ هذا الهدف. فمن الواضح أن التقرير جاء لمساعدة أميركا في استعادة دورها كحارسة للقيم الغربية وحامية لها، وهو ما أوضحته السيناتورة، «ديان فينشتين»، رئيسة لجنة الاستخبارات بالكونجرس، عندما قالت، إن العالم سيحكم عليها وعلى باقي معدي التقرير من خلال «التزامهم بمجتمع عادل خاضع لحكم القانون، وعلى استعداد دائم لمواجهة الحقائق المرة والتعهد بعدم تكرار الأخطاء»، هذا الشعور الأخلاقي والعودة إلى القيم عكسه أيضاً رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، في حديثه للصحفيين، قائلاً «هؤلاء الذين يريدون رؤية عالم أكثر أمناً وسلاماً، والذين يريدون للتطرف أن ينهزم، عليهم أن يدركوا بأننا لن نحقق ذلك إذا خسرنا سلطتنا الأخلاقية». لكن ما ليس معروفاً بعد هو ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يعون الأسس التي تنبني عليها السلطة الأخلاقية، فالسيناتور جون ماكين الذي يُحسب له أنه افترق عن جوقة "الجمهوريين" في الإشادة بإصدار التقرير أسهب كثيراً في الحديث عن عدم فاعلية انتهاج التعذيب وسيلة للحصول على المعلومات الاستخباراتية، والحال أن مجمل الحديث عن عدم فاعلية التعذيب، الذي يمكن تلمسه طوال التقرير، ليس الطريق الأمثل إذا كانت الولايات المتحدة تريد فعلاً التعبير عن ندمها وغلق الملف، فالتركيز يجب أن يذهب إلى لا أخلاقية التعذيب وليس لا فعاليته، ذلك أن الاكتفاء بالتشكيك في قيمة المعلومات المتحصل عليها عن طريق التعذيب يوحي بأنه لو استُخدمت أساليب تعذيب أخرى أكثر فاعلية تكسر مقاومة المشتبه بهم لما ترددت أميركا في اللجوء إليها. ------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»