لعلني لا أكون بعيداً عن منطقية التحليل السياسي إذا قلت إن المرحلة الحالية التي تمر بها المنطقة العربية باعتراف غالبية المحللين هي مرحلة صراع خطيرة لها أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية بين القوى الكبرى في العالم. صراع بين معسكر يضم أميركا وأوروبا، وآخر يضم روسيا والصين. وهذا الصراع الذي جعل منطقتنا العربية هي محوره يدور في حدود مصالح الطرفين وصراعهما على النفوذ فيها. ومما يلاحظ على هذا الصراع أن هذه القوى الكبرى جعلت من التنظيمات الإرهابية هي سلاحها الأقوى في تنفيذ مخططاتها حيث نشرتهم في كل موقع، وحددت لهم مسميات مختلفة واستخدمتهم لإحداث فوضى إقليمية دموية شديدة الحدة، والتي دخلت عامها الخامس، والهدف هو تدمير الجيوش العربية الكبيرة حتى يسهل تمرير مخططاتها المعدة لذلك منذ عقود عدة والتي تهدف إلى رسم خريطة جديدة للمنطقة العربية وتمزيق الصورة الحالية والعمل على تغيير وضعها وفقاً لآليات الصراع الجديد بينهم أي تقاسم المنطقة العربية بينهم سواء كان ذلك على مستوى النفوذ أو الثروة أو الموقع الجغرافي أو الأهمية الاستراتيجية التي تربط المنطقة بالعالم. والأمر الآخر هو السعي لجعل هذه الدول متفرقة غير قادرة على التوحد في كيان واحد أو النهوض والتطور حتى يتم اقتسام ثرواتها الطبيعية بينهم وتصبح حاضنة لمشاريعهم المستقبلية، لذلك فقد استخدمت في هذا الصراع كل أدواتها المحركة، وكان أخطرها إثارة الفتنة الطائفية والمذهبية وتفتيتها واستغلال التراكمات التاريخية فيها، وربط كل ذلك مع المسألة السياسية ليشتغل المسلمون بعضهم ببعض ويقتل بعضهم بعضا فينصرفون عن قضيتهم المركزية فلسطين وعن مواجهة إسرائيل والقوى الخارجية التي تتربص بهم وبذلك تتحقق فيهم نظرية «فرق تسد» فتستفيد إسرائيل وتلك القوى من حدوث مثل هذه الحالة لتمرير مصالحها من خلاله.. وهذا ما لاحظناه بوضوح في تصريح بعض القادة السياسيين في أميركا وأوروبا وإسرائيل في قولهم إن المنطقة أفضل ساحة لمشروع الشرق الأوسط الكبير. الدكتور منير داود عضو الحزب الجمهوري في أميركا ورئيس الاتحاد المسيحي العالمي حدد لنا الصورة حول هذا الاستهداف الذي تستخدمه أميركا وإسرائيل ضد المنطقة عندما قال بوضوح في حواره مع صحيفة النبأ الصادرة في 29-11-2014 «قلت لباراك أوباما إنني أخجل من أن أكون أميركياً تحت رئاستك لأنك اخترقت الوطن العربي وتريد تحويله لدويلات صغيرة لصالح إسرائيل» ثم أضاف: «أن هذه السياسة التي تهدف لتفتيت الدول العربية هي التي خلقت إرهاباً أكثر فأكثر لأنها تعمل على تدمير الدول النظامية من أجل إسرائيل». الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هو الآخر قالها أكثر من مرة: "إن العمليات الإرهابية التي ضربت مصر تتم بدعم من الخارج وأنه ينبغي أن يعي المصريون أبعاد المؤامرة التي تحاك ضد المنطقة"، كذلك فإن غالبية التقارير والدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع كانت تشير إلى أن دعم أميركا لمنظمات الإسلام السياسي في المنطقة لأنها وجدت في تلك المنظمات الصفات التي تبحث عنها والتي تتناسب مع تحقيق مخططاتها وأخطرها ضرب الإسلام وتشويه صورته من الداخل عن طريق بث الفتن ونشر الإرهاب والفرقة بين المسلمين.