يواجه المبعوث الأممي في سوريا «ستافان دي مستورا» في الأسبوع الجاري واحدة من العقبات الرئيسة على طريق اقتراحه بشأن إقامة «منطقة تجميد للقتال» في مدينة حلب شمال سوريا، ألا وهي: إمكانية إقناع قادة المعارضين المنقسمين الذين يواجهون ضغوطاً خشية أن يمثل وقف إطلاق النار في ظل الظروف الراهنة استسلاماً أو يفهم على أنه كذلك بالفعل. وقد أمضى «دي مستورا» يومي الاثنين والثلاثاء في مدينة «غازي عنتاب» جنوب تركيا محاولاً إقناع قادة المعارضين بالنظر في عملية التجميد، التي يأمل من خلالها تخفيف الأزمة الإنسانية في سوريا، ووضع أساس لعملية سياسية. ويزيد الوضع العسكري في حلب خطراً بالنسبة للمعارضين الذين يواجهون ضغوط النظام من جانب وتنظيم «داعش» من جانب آخر. وفي حين يمكن أن توفر عملية «التجميد» المطلوبة «فترة هدوء» مع اقتراب فصل الشتاء، ينظر كثير من قادة المعارضة والنشطاء إلى هذه المبادرة بتشكك. وقال قيس الشيخ، رئيس مجلس القيادة الثوري، وهو ائتلاف جديد يضم جماعات إسلامية وأخرى معتدلة: «إن هناك كثيراً من الاختلافات في الرأي، وسنحتاج إلى مزيد من النقاشات وخطة عمل متماسكة بحيث يمكننا التدارس مع كافة الفصائل لكي نستطيع تقديم مقترحاتنا». ويساور كثيرين القلق من أن وقف إطلاق نار محدود في حلب من شأنه أن يتحول إلى استسلام، ليصبح وكأنه المسمار الأخير في نعش الثورة الشعبية التي بدأت قبل نحو أربعة أعوام، ثم ما لبثت أن تحولت إلى حرب أهلية أججت نيرانها التدخلات الإقليمية، وزاد صعوبتها تدفق المقاتلين الأجانب. وإذا سقطت حلب، فإن ذلك سيمثل هزيمة استراتيجية ليس فقط للمعارضين المنقسمين في سوريا ولكن أيضاً للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لأنه يحتاج إلى حلفاء على الأرض في مواجهة نفوذ ما يسمى بتنظيم «داعش» الإرهابي، الذي استحوذ على مساحات كبيرة من الأراضي في سوريا والعراق. وقد أوضحت جولييت توما، المتحدثة باسم «دي مستورا» يوم الثلاثاء الماضي أن المبعوث عقد «مناقشات مشجعة» في «غازي عنتاب» مع ممثلين من الفصائل السياسية والعسكرية التابعة للمعارضة في حلب. وأشارت إلى أن وفداً يقوده نائب «دي مستورا» سيتوجه إلى دمشق خلال الأسبوع الجاري من أجل تقديم مزيد من المعلومات إلى حكومة الأسد بشأن كيفية جعل اتفاق «التجميد» قابلاً للتنفيذ في ثاني أكبر مدينة في البلاد. وأضافت المتحدثة قائلة: «في الوقت الراهن، نعمل على مناقشة التفاصيل مع أطراف الصراع، والتوسط من أجل التوصل إلى اتفاقية». بيد أن توقيت الزيارة لم يساعد على بناء الثقة، إذ تزامن مع إطلاق نظام الأسد عملية عسكرية جديدة أطلق عليها اسم «عملية قوس قزح»، لإحكام الحصار على مدينة حلب. وقد أوضح ممثل عن كتيبة «نور الدين زنكي» في حلب، وهي جماعة معتدلة تدعمها الولايات المتحدة، أن ذلك يظهر أنه لا ضمانات لدى «دي مستورا»، مضيفاً أن: «الاقتراح سيقسم المعارضة، فطرف سيوافق على المشاركة في المحادثات وآخر سيمضي نحو تصليب الموقف والتشدد». وتساءل: «كيف تكون هناك مبادرة ولا يوجد اتفاق مكتوب؟»، مضيفاً: «حالما تقدم لنا وثيقة فإننا سنناقشها باهتمام». ويقول أنس الحاج، من المجلس العسكري الثوري في حلب: «إن العقبة الرئيسة في طريق دي مستورا هي الجماعات الثورية التي تتفتت بشكل مستمر وتشكل تحالفات جديدة»، لافتاً إلى حقيقة عدم وجود زعيم واحد، ولذا فلا يمكن لأحد إبرام اتفاق مع «دي مستورا»، مع ضمان تطبيقه على الأرض. ولعل ما يزيد الأمور تعقيداً هو وجود «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، فتلك الجماعة لطالما قاتلت في محيط مدينة حلب ضد النظام، وحققت مكاسب في محافظة إدلب المجاورة على حساب المعارضة المعتدلة المسلحة والمدربة تدريباً أميركياً. وقد تعرضت للقصف في الجولة الأولى من الضربات الجوية التي غالباً ما تستهدف تنظيم «داعش». وفي السابق، كانت لعمليات وقف إطلاق النار والهدنات المحلية نتائج متباينة، ففي بعض الحالات كانت نتيجة عمليات حصار وحملات تجويع مطولة. وفي حالات أخرى، عكست مناورة تكتيكية من جانب نظام الأسد لتخفيف الضغط على جبهة وإعادة التركيز على مناطق أخرى أكثر استراتيجية. غير أن المشاركين في العمل الإنساني والدبلوماسي يرحبون بأية جهود تخفف من حدة الصراع، وتفتح مساحة ولو صغيرة للحوار، وتقلص الأزمة الإنسانية. ويرى بعض الخبراء أن اتفاقات وقف إطلاق نار موضعية يمكن أن تكون لبنة أولى لاتفاق أكثر شمولاً يضع نهاية للصراع الذي حصد أرواح أكثر من 200 ألف سوري. دومنيك سوجيل: كاتبة متخصصة في الشؤون السورية والعراقية، تتخذ من إسطنبول مقراً لها يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»