نظراً لأن روسيا أصبحت مثل دولة «مارقة» في عيون عملائها من مشتري الطاقة الأوروبيين، تحاول الآن إظهار أنه يمكنها الاستغناء عنهم، وإنْ لم يكن فوراً ففي غضون بضعة أعوام قليلة. وتم الإعلان عن صفقتين كبيرتين منذ ضم شبه جزيرة القرم، إحداهما مع الصين والأخرى مع تركيا. ولا يبدو على الأرجح أيّاً منها صفقة فعلية بالمفهوم التقليدي، وإنما ما تفعله روسيا مجرد استعراض يائس. وفي مايو، ذهب بوتين إلى بكين ليضغط من أجل إبرام عقد بقيمة 400 مليار دولار لإرسال الغاز إلى الصين من خلال خط نفط جديد، أطلق عليه اسم «طاقة سيبريا». وأعلن «أليكسي ميلر»، رئيس شركة «غاز بروم» الحكومية التي تحتكر الغاز الطبيعي الروسي، أنه بعد مفاوضات شاقة، تم توقيع اتفاق نهائي مدته 30 عاماً لإمداد 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً. ويبدو ذلك انتصاراً كبيراً لبوتين وتحذيراً لكل من الأوروبيين، الذين اشتروا 160 مليار متر مكعب من الغاز الروسي العام الماضي (بواقع 30 في المئة من وارداتهم) وإلى الأميركيين، الذين يودون توريد الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق الآسيوية. ورغم ذلك، بعد مرور ستة أشهر، لا يبدو أن الاتفاق يمضي قدماً وفق المأمول. ففي مايو عوّل «ميلر» على قرض صيني لبدء تدشين البنية التحتية بقيمة 55 مليار دولار للمشروع. وفي نوفمبر أعلن أن «غازبروم» لن تحصل على القرض، عازياً ذلك إلى أن القرض كان من بين عناصر التفاوض على سعر الغاز، قائلاً: «لقد توصلنا إلى اتفاق نهائي بشأن سعر الغاز، ولا ندرس إمكانية الحصول على قرض كأداة مالية تؤدي إلى مزيد من تخفيض السعر». ويعني ذلك أن روسيا قد تفاوضت مع الصين على أسعار أعلى مما كانت ستحصل عليها لو أنها طلبت القرض بداية. ورغم ذلك كان «ميلر» أعلن في مايو أنه تم الاتفاق على البنود النهائية، بما في ذلك الأسعار. وعليه من المستحيل معرفة حقيقة الأمر لأنه لم يتم الإعلان عن الأسعار، كما أن الصين ليست في عجلة من أمرها بالنظر إلى أن خط الأنابيب المزمع إنشاؤه لن يبدأ عمله قبل 2019، خصوصاً في ظل اتجاه نزول أسعار النفط الحالي، وهو ما يجعل مستقبل المشروع غير مؤكد. وعلاوة على ذلك، هناك إشارات إلى أن التكلفة المحددة للبنية التحتية في مشروع «طاقة سيبريا» منخفضة بدرجة كبيرة، وفي يوليو الماضي قال «سيرجي إيفانونف»، رئيس الديوان الرئاسي الروسي، إنه ربما يكلف 70 مليار دولار. وبالطبع لن تكون «غازبروم» قادرة على جمع الأموال من أسواق المال الغربية، في ظل العقوبات ذات الصلة بأوكرانيا، والمصدر الوحيد الممكن للتمويل هو صندوق الرفاهية الوطني الروسي، المثقل أصلاً بطلبات القروض. وأما الصفقة التركية المقصود منها استبدال خط أنابيب «ساوث ستريم»، الذي أغلقه الاتحاد الأوروبي، لكنها ولدت مبتسرة، فعلى رغم أنها ستحول دون خسارة «غازبروم» خمسة مليارات دولار استثمرتها بالفعل في بناء الطرف الروسي من «ساوث ستريم» ويسمح لها باحترام تعاقداتها لمرور الخط عبر البحر الأسود، ولكن توريد الغاز الروسي إلى تركيا سيجعل طريقه إلى أوروبا غير مباشر، وسيمكن أنقرة من إملاء شروطها لو أرادت روسيا تقليص دور أوكرانيا كممر لتصدير الغاز إلى أوروبا، مثلما وعد ميلر الأسبوع الماضي. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»