ألقت شرطة أبوظبي، في الأسبوع الماضي (2 ديسمبر 2014)، القبض على امرأة منقبة، بعد تنفيذ جريمة قتل مُدرسة أجنبية، ثم زرعها عبوة ناسفة في مجمع سكني، وقبيل إلقاء القبض عليها تداولت الصحافة والمواقع تسميتها بـ«شبح الرِّيم» (نسبة إلى وقوع الجريمة بجزيرة الرِّيم)، وأخذ يشار إليها بالقاتل، وذلك لعدم معرفة هويتها بسبب النِّقاب. كانت مقتنعة، على ما يبدو، مِن أن النِّقاب يُيسر لها حرية التحرك وتنفيذ ما عزمت عليه، وكم مِن امرأة قامت بزرع المتفجرات، والعمل مع الجماعات الإرهابية تحت ستار النِّقاب الشَّرعي، وكم مِن رجل هارب تخفى بنقاب امرأة. يُذكرنا هذا الفعل، بما سمعناه مِن قبل سنوات، بأن رجلاً قتل شرطية بريطانية، وهرب بجواز ونِقاب أخته، يوم كان لم يُدقق بوجوه المنقبات احتراماً لعقيدتهنَّ الدِّينية، لكنْ عندما يتحول النِّقاب إلى ستارة لجرائم، وتحرك إرهابي لابد أن تُقال فيه الكلمة، حماية للأبرياء، وإلا لم يكن هناك ما هو أخفى لملامح القتلة مِن النِّقاب. ماذا لو أن قوى وزارة الدَّاخلية الإماراتية لم تلقِ القبض على المنقبة القاتلة؟ مِن الطبيعي أن يسري الخوف والفزع في المجتمع، لأن القاتل شبح مجهول الهوية، وكان الفعل، حسب ما عُرض على شاشات التلفزيون، بشعاً، وهو الذَّبح بالسكين، ثم النّية لارتكاب جريمة ثانية أفظع مِن الأولى. فالنِّقاب الدِّيني دخل كموضة أفغانية (طالبانية)، وتريد الجماعات تطبيق ما طُبق بأفغانستان في أيام حكم تلك الجماعة، مع اتخاذه حجاباً. ثارت ثائرة جماعات الإسلام السياسي على فرنسا، عندما تقدمت لمنع النِّقاب، وهو تغييب ملامح الوجه، والتجول بلا قيود، وكان المنع للإثارة الدِّينية في مجتمع كثير الاختلاط، والثَّاني لغرض أمني، ربَّما كان الأمر في الماضي، وبالبلدان المسلمة تحديداً، لا يثير الانتباه، بالقرى والمدن الصغيرة التي يعرف النَّاس فيها بعضهم بعضاً، ولم يتخذ لغرض ديني سياسي، وفي وقت لم تكن المرأة تخرج للعمل أو التنزه أو التَّسوق، لكن مع الزَّمن صار الطريق والسوق ودائرة العمل والمدرسة مشتركات بين النساء والرِّجال، فمِن الصعب القبول بالتحرك في تلك الأمكنة بلا ملامح مكشوفة، ولا أحد يضمن عدم ارتكاب جريمة ما مِن وراء النِّقاب. ولهذا تأتي أهمية الكشف عن الملامح، التي لا حرج منها في الدِّين، إضافة أنه لكلِّ زمن متطلباته وأحكامه. فكيف إذا أضيف إلى ذلك المخاطر التي تخطط عادة لتنفيذها قوى الإرهاب عن طريق نقاب النِّساء وبالنساء أنفسهنَّ؟ يا تُرى هل سفهت أحلام عصرنا إلى حد البحث في دفاتر الأقدمين عن كلمة أو سلوك كي نحاول الإقناع بضرورات الزَّمن، وهو كشف الملامح، التي تغطى بالطريقة الأفغانية «الطالبانية» بعذر الطّهورية أو على ما هم يحسبونه إكراماً للمرأة. وترى الأمر بين خيارين، بما يفرضه المتعصبون، أي الحبس في المنازل وهو نقاب مِن نوع آخر، أو فرض النِّقاب على المرأة خارج الدار. مع أن في التَّاريخ ما يفيد في الجدل حول النِّقاب وتغييب الهوية، بما يفرضه المتشددون تديناً أو لغرض حركي، فقد رفضته ابنة أحد الصحابة البارزين، ألا وهي عائشة بنت طلحة بن عبيد الله (ت 101 هـ)، التي عاشت في القرن الأول الهجري) وجدّها الخليفة أبوبكر الصدِّيق (ت 13 ه) لأمها أم كلثوم، وخالتها أم المؤمنين عائشة (ت 58 هـ). فمِنْ ثقة بنفسها قيل كانت «لا تستر وجهها مِنْ أحد، ولما عاتبها مصعب (ابن الزبير زوجها) قالت: إن الله تبارك وتعالى وسمِنْي بميسم جمال أحببت أن يراه النَّاس، ويعرفون فضلي عليهم، فما كنت أستره، ووالله ما فيَّ وصمة يقدر أن يذكرني بها أحد» (الأصفهاني، كتاب الأغاني، الصَّفدي، الوافي بالوفيات)، بمعنى أن قضية النِّقاب، الذي يهدد أمن المجتمعات اليوم، قد طرحت مِن قبل، وإن كانت لضرورة أُخرى، فكيف إذا كان الأمر له صِلة بأمن النَّاس والدَّول. فلا نجد حرجاً في قول الكلمة الصريحة بصدد النِّقاب، وعلى وجه الخصوص بعد استخدامه في القتل وزرع المتفجرات، إنه سلاح بيد الإرهابيين، يفسرونه لباساً وفعلاً على أنه مِن الدِّين. إنه يتيح التَّحرك في مأمن بلا وجل ولا حرج ولا قيود.