تتسع المسألة وتتعاظم في تعقيداتها ومآسيها دون أن يلوح في الأفق خيط من الأمل في حلها، وفي الوقت ذاته تقدم مصادر الإعلام المحلية والعالمية أخباراً وتقارير من المسألة ذاتها تكرّس واقع الحال في تعقيداته، مع الكثير من التشاؤم المفتوح. وفي سياق ذلك تقدم الأحداث العالمية مزيداً من البراهين والرموز، إضافة إلى التهويلات والتحذيرات، من أن الأمر إذا ما استمر على ما هو عليه، فقد يتحول إلى كارثة عالمية، وحقاً صدق الأمر، فها نحن نعيش مرحلة «داعش»، التي أنتجت حالة من القلق بل الرعب العالمي. والآن حيث حلّت الظاهرة الداعشية، تتشكل حزمة من الأسئلة، التي إذا ما قدناها إلى نتائجها المنطقية، نصل إلى سؤال هو: كيف ل«داعش» أن ينشأ ويتسع ويظهر، إلا ضمن ظروف خاصة واستثنائية، ويأتي هذا التحذير ذو الطابع المستعجل حتى الحد الأقصى، ليخلق الانطباع بأن الكل فوجئ بالحدث المهول، ويبرز التحالف الدولي من أربعين دولة، ليخلق في العالم، وخصوصاً في الأوساط السياسية نمطاً خطيراً من سؤال العارف: ألم يكن لدى الأوساط الأمنية والمخابراتية والسياسية الأميركية «علم» بذلك «الوليد» المفزع، الذي أصبح يهدد العالم دون أن يعرف أحد بذلك؟ إن هذا اللغز «المكشوف» الذي أنتج تحالفاً عالمياً لمواجهته، ظهر مع توالي الأحداث وتعقدها إلى أقصى درجات الخطر، وهو مكشوف فعلاً منذ بدايات تشكله وتعاظمه، وذلك لسبب بسيط وجدّ بديهي، هو أنه أتى وبرز بالتواطؤ الخبيث ولكن «الذكي» مع أوساط المخابرات، لِمَ لا؟ والأمر كما عرفناه في أحداث كثيرة يمنحنا الاقتناع أو الافتراض القوي بأن الولايات المتحدة تتغذى في سياستها الداخلية وسياساتها الخارجية على الأزمات الاقتصادية والحروب النفسية والعسكرية، ذلك لأن نظامها الاقتصادي والسياسي والأيديولوجي يقوم على «السوق المطلقة» كما قال «بوجنون» في كتاب «أميركا التوتاليتارية» ملخصاً الموقف هناك. ولكن، هل الأمر كذلك، أي على النحو الذي سلكته الولايات المتحدة حين جيشت الجيوش وعبأت المجتمعات وأطلقت صفارات الإنذار التي انتهت والتأمت فيما بينها ليولد التحالف الأربعيني، فلقد أوجدت بعض المواقف والسياسات البيئة الحاضنة الضرورية لكل ما يعمل على إيلاد ما هو قائم الآن: لا حلول للأزمات الاقتصادية، ولا عمل لملايين الشباب، ولا كرامة لهم ولا مستقبل، وكذلك لا مدرسة تُعلم كيفية بناء المجتمعات، بقدر ما تلح على ضرورة الرضوخ لأيديولوجية في بعض الجمهوريات الشمولية تتمثل بالخضوع لمطالب قانون الاستبداد الرباعي: الهيمنة على السلطة والثروة والإعلام، وكذلك على المرجعية المجتمعية. نحن هنا لا نطيح بالأسباب الداخلية لنحولها إلى حقل خارجي، ولكننا ننظر إلى الواقع أو الوقائع المشخصة في أرض الواقع في ضوء ما نراه هنا حاسماً، وهو «جدلية الداخل والخارج»، حيث الأول من هذين الأخيرين يبرز بوصفه قطب الرحى، أما الداخل «العربي» فهو أقل بكثير من أن يقاوم «خارجاً أخطبوطياً»، يملك القوة الكونية والثروة الهائلة والأعوان الكثر والإرث التاريخي الطويل من الخبرة في «التعامل مع الآخر».. وبهذا نكون قد وضعنا يدنا على «المسألة السورية» في آفاقها المحتملة، ولا ينبغي أن يعني هذه الاستكانة لواقع الحال، فهنالك من الاحتمالات ما يدعو المرء إلى البحث عن احتمالات «مواجهة المخرز بالعين» فالتاريخ لا يفصح عن أسباب واحدة له.