لا شك أن العبارة الأكثر التصاقاً بسياسة أوباما الخارجية هي «لا تقم بأمور غبية»، بل يمكن القول إن العبارة الأدق التي لم يكف أوباما عن تأكيدها مراراً منذ أن تولى السلطة في 2009 هي «لا يوجد حل عسكري»، وليس أدل على ذلك من الشهور الأربعة الأخيرة التي استخدم فيها أوباما مقولته الأثيرة «لا يوجد حل عسكري» لتبرير سياسته في ثلاثة أماكن تشهد حروباً مستمرة هي العراق وسوريا وأوكرانيا، فلأنه لا وجود لحل عسكري بالعراق رفض أوباما اقتراحات قادته العسكريين بنشر قوات خاصة لمواجهة «داعش»، ولأنه أيضاً لا وجود لحل عسكري في سوريا امتنع الرئيس عن الترخيص بضرب نظام الأسد، وأخيراً نفس المقولة برزت لتبرر إدارة أوباما ظهره للمطالب الأوكرانية الملحة بإمدادهم بالسلاح. وتأكيداً لهذا التوجه كان أوباما قد صرح في مؤتمر صحفي عقده في 2013 قائلا «أمضيت السنوات الأربع والنصف الأخيرة محاولا تقليل اعتمادنا على القوة العسكرية لحماية الشعب الأميركي والاستجابة لالتزاماتنا الدولية»، ثم أعاد التشديد على المعنى نفسه في خطابه بأكاديمية «ويست بوينت» العسكرية موضحاً «أن القول بمصلحتنا في البحث عن السلم والحريات في ما وراء حدودنا لا يعني أن كل المشاكل تحل عن طريق القوة العسكرية، فعندما تنشأ أزمات تهز ضمائرنا، أو تدفع العالم في اتجاه لا يهددنا مباشرة، فإنه علينا خفض سقف التحرك العسكري»، وفي مثل هذه الحالات ينصح أوباما باتباع «أدوات» أخرى مثل «الدبلوماسية والتنمية، والعقوبات وفرض العزلة الدولية»، وأيضاً الاستعانة «بالقانون الدولي»، وأي تحرك عسكري أميركي، يقول أوباما، عليه أن يندرج ضمن تحرك دولي مشترك. لكن المشكلة مع هذه التوجه أنه رغم جاذبيته للأميركيين الذين يريدون وضع حد لقرن كامل من التدخلات الأميركية في الخارج، ينطوي على بعض المخاطر والأضرار، بل تسبب في العديد من أزمات السياسة الخارجية الأميركية التي يقول البيت الأبيض عنها إنها لا تحل بالطرق العسكرية. فصحيح أنه لا وجود لحل عسكري صرف لجهة أن كل تحرك عسكري ينتهي بتسوية سياسية معينة، لكن الحلين السياسي والعسكري ليسا منفصلين عن بعضهما، بل متلازمين، إذ غالباً ما تكون التسويات السياسية ناتجة عن تدخلات عسكرية، والحال أن أوباما يستبعد كلياً الحلول العسكرية لإقصاء حتى التحركات غير المباشرة ذات الطبيعة التكتيكية، وهو ما يضر بالمخارج السياسية المحتملة للأزمات المستفحلة، هذا ما كان عليه الأمر في سوريا عندما رفض أوباما تزويد المعارضة المعتدلة بالسلاح لمحاربة الأسد في 2011-2012، ما فتح الباب واسعاً أمام ظهور «جبهة النصرة» و«داعش»، ثم كان لقراره بعدم تأكيد خطه الأحمر ضد نظام الأسد والامتناع عن معاقبته بعد استخدامه السلاح الكيماوي دور في تغيير حسابات الأطراف الأخرى بشأن الالتزامات الأميركية، واليوم يؤدي فشل أوباما في استخدام حتى الوسائل العسكرية غير المباشرة مثل فرض منطقة آمنة للثوار السوريين إلى ضرب جهود مواجهة «داعش»، وأيضاً يؤدي إلى إضعاف المعارضة، وإغضاب الحلفاء مثل تركيا، وتعزيز الحملة العسكرية التي يقوم بها الأسد وتصلبه إزاء الحل السياسي. ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»