يُستخدم مصطلح «الجينوم البشري»، للتعبير عن جميع المعلومات الوراثية، أو مجمل التركيبة الجينية، الموجودة على 23 زوجاً من الأجسام الصبغية أو الكروموسومات، داخل نواة الخلية، في شكل تسلسل محدد من قواعد الحمض النووي الأميني. بمعنى أنه بداخل نواة الخلية، يوجد 23 زوجاً من الأجسام الصبغية، والمكونة بدورها من تسلسل محدد من جزيئات من الحمض النووي الأميني، تشكل في مجملها شفرة التركيبة الوراثية للشخص. وتختلف التركيبة الوراثية للجنس البشري عن أقرب الكائنات الحية الأخرى تشابهاً وراثياً معه، أو حيوانات «الشمبانزي» وقردة «البونوبو»، وبدرجة اختلاف تبلغ 4 بالمئة. بمعنى، أن التركيبة الوراثية للجنس البشري، تتشابه وتتطابق مع «الشمبانزي» و«البونوبو» بنسبة 96 بالمئة، وتبقى نسبة الاختلاف والتباين محددة بـ4 في المئة فقط، أو أقل. كما تتباين وتختلف التركيبة الوراثية بين أفراد الجنس البشري بعضهم بعضاً، وإن كان درجة الاختلاف والتباين بين السبعة مليارات إنسان الذين يشكلون تعداد الجنس البشري حالياً، لا تزيد عن 0.1 بالمئة. ولكن بالنظر إلى أن عدد جزيئات الحمض النووي المكون للجينوم البشري، يبلغ 6 مليارات زوج قاعدي، يمكن أن ندرك بسهولة أن مجرد 0.1 من الاختلاف في ترتيب جزيئات الحمض النووي، يترجم إلى ملايين من الاختلافات في التركيبة الوراثية، ويظهر في النهاية في الاختلافات الجسمانية أو العضوية، وفي الاختلافات النفسية أو الشخصية، والتي نلحظها بين شخص وآخر. وإن كان من أهم هذه الاختلافات، هو الفروقات في احتمالات الإصابة بالأمراض المختلفة، مثل الأمراض السرطانية، أو أمراض القلب والشرايين، أو حتى بعض الاضطرابات النفسية والأمراض العقلية. كما تؤدي هذه الاختلافات أحيانا إلى اختلاف في الاستجابة للأدوية والعقاقير الطبية، أو العلاج الكيماوي، أو غيرها من أساليب العلاج الطبي. وهو ما أدى إلى ظهور ما يعرف بالجينوم الشخصي (Personal Genomics)، أو اختبار تحديد تسلسل الحمض الأميني لشخص معين، مثله في ذلك مثل تحليل الدم أو صورة الأشعة التي يخضع لهم الكثيرون عند زيارتهم للطبيب أو المستشفى، بهدف معرفة مدى احتمالات إصابة هذا الشخص بالذات بمرض ما، أو طبيعة استجابة جسده لدواء أو عقار محدد. وهو ما يندرج تحت المجال الحديث نسبيا المعروف بالطب الشخصي (PersonalizedMedicine)،أو فكرة تفصيل أو شخصنة الرعاية الصحية، بما في ذلك الممارسات والاختيارات الطبية، تبعا للميزات والصفات الشخصية المحددة لكل مريض على حدة. فمن خلال الفحوصات التشخيصية، وخصوصا تلك المعتمدة على دراسة التركيبة الوراثية، يمكن اختيار العلاج الأفضل لمريض بعينه، أو تحديد الجرعة المثالية من دواء أو عقار ما، بشكل يسمح بتحقيق أكبر فائدة علاجية، وبأقل درجة ممكنة من المضاعفات والآثار الجانبية. ورغم أن هذا الأسلوب أو الفكرة تبدو بديهية ومنطقية، إلا أنها اصطدمت في بداياتها بالتكلفة الباهظة لفحوصات تحديد التسلسل الوراثي للأشخاص. فعلى سبيل المثال، بلغت تكلفة تحديد أو تسلسل وراثي، والذي عرف بمشروع الجينوم البشري (HumanGenomeProject)،نحو ثلاثة مليارات دولار، واستغرق ثلاثة عشر عاما، حيث بدأ عام 1990 وأعلن عن اكتماله -تقريبا- في عام 2003. ومع حلول عام 2008، بلغت التكلفة 350 ألف دولار، لتنخفض إلى 99 ألف دولار بعد عام واحد فقط في 2009، ثم إلى 5 آلاف دولار، مع تحديد ألف دولار فقط من قبل معهد الصحة الوطني بالولايات المتحدة، كتكلفة نهائية لتحديد التسلسل الوراثي للأشخاص. ومؤخراً، أدى هذا الانخفاض المتتالي والهائل في تكلفة تحديد التسلسل الوراثي للأشخاص، إلى ظهور صناعة كاملة، تعتمد على تسويق هذا التحليل للمستهلك بشكل مباشر، من خلال طقم أو مجموعة من الأدوات، ترسل للمستهلك عن طريق البريد، يقوم عن طريقها بأخذ عينة من لعاب الفم المحتوي على بعض الخلايا، ومن ثم إعادتها عن طريق البريد إلى الشركة المختصة، لتقوم بتحليلها، وتحديد التسلسل الوراثي الخاص به، وتقييم احتمالات إصابته مستقبلا ببعض الأمراض. وعلى حسب ما ذكر في وسائل الإعلام، تبلغ تكلفة هذا الاختبار حاليا 99 دولاراً أميركياً في الولايات المتحدة، و199 دولاراً كندياً في كندا. ورغم أن الشركة المصنعة والمروجة لهذا الاختبار، قد منعت من قبل هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية من تسويقه للمستهلكين في الولايات المتحدة، إلا أنها حصلت بداية الشهر الجاري على موافقة الهيئات الصحية في بريطانيا، ومن قبلها على موافقة الجهات المختصة في كندا منذ شهر أكتوبر الماضي، بعد إدخال بعض التعديلات على الاختبار، وبالتحديد خفض نطاق ومدى الأمراض التي يمكن التنبؤ بها بالاعتماد على هذا التحليل الطبي.