قبل قضية شبح الريم؛ كنا نكتب بثقة أن الإمارات لم تشهد حالة واحدة للقتل على الهوية، فعلى الرغم من أن مثل هذه الجريمة تحدث في كل مكان وزمان، فقد كان غريباً جداً وقوعها في البلد الذي يعطي النموذج الأفضل لحالة التعايش بين ملايين الأشخاص من 200 جنسية. لم يحدث أن وقع في الإمارات حادث قتل إنسان بسبب انتمائه لدين معين أو مذهب أو جنسية أو عرق، وكل جرائم القتل التي تحدث، يتعمّد الجاني فيها قتل الضحية لدوافع جنائية، لسرقته أو للاعتداء عليه أو للانتقام منه هو تحديداً. وهذه هي المرة الأولى التي تقع فيها جريمة قتل على الهوية، بطعنات قاتلة إلى جسد مواطنة أميركية تقيم وتعمل في أبوظبي، لا لشيء سوى أنها أجنبية، كما أكدت المتهمة في التحقيقات من أنها كانت تبحث عمن توحي هيئته الخارجية ولغته ولون بشرته إلى أنه أجنبي! على أية حال، الذي كنا نضع أيدينا على قلوبنا كي لا يقع، وقع للأسف الشديد، إذ لا يمكن لأي دولة في العالم منع الاعتداء على هدف سهل مثل وجود امرأة في دورة مياه، لكن السؤال المهم الآن هو: هل كنا على مستوى هذا الحدث الجلل كإماراتيين، بعيداً عن الموقف الرسمي الذي كان مشرّفاً على عادة الإمارات؟ للأسف الشديد، يمكن القول إن التعاطي الشعبي مع الحدث لم يكن على قدر المصيبة، ففي موقع «تويتر» الذي يعد بحق برلماناً مفتوحاً، أخذت القضية مساراً آخر بسبب بعض الأصوات التي طالبت بتغليب الاعتبارات الأمنية لكشف الوجه، على بعض الآراء الفقهية التي توجب تغطيته، بعد أن رأى الجميع أن المتهمة استخدمت النقاب وسيلة للإفلات من العدالة، وكذلك القفازات التي كانت ترتديها، لدرجة أنها ألقت أداة الجريمة (السكين) في مكان الحادث وولّت هاربة. وهكذا، أصبح السؤال عمّا إذا كان النقاب عادة أم عبادة، والسؤال حول الأولوية إنْ كانت لأمن المجتمع أم للحرية الشخصية، بينما السؤال الأول والأخير - في بلد يفخر بأنه ملتقى الهويات - يفترض أن يكون حول جريمة قتل إنسان بناء على هويته. هذا السؤال الذي يفترض أن تدور حوله كل النقاشات، وهذا الهمّ الذي ينبغي أن يؤرق الجميع، وليس همّ النقاب أو القفاز، وهذا السؤال الذي علينا البحث عن إجابة له، وهذا السؤال الذي علينا كإماراتيين أن نحمله على عاتقنا لنبعث من خلاله رسالة لكل الأجانب المقيمين بين ظهرانينا، والقادمين إلى بلادنا، لنؤكد لهم أننا نرفض بشدة هذه الجريمة، ونبعث الطمأنينة إلى قلوبهم بأنه لا شيء تغير في الإمارات، كما أنها ستكون رسالة بالغة اللهجة إلى كل من يحمل تلك الأفكار الشيطانية، ليعلم أن اللعنات ستلاحقه وهو في طريقه إلى ساحة الإعدام، لتبقى جريمة الريم الأولى من نوعها والأخيرة على أرض الخير والتسامح.