لإيران قوة ناعمة سعت إلى بنائها منذ عقود، وصورة ناعمة شيدتها لدى السُنة حتى في الجيوب النائية، وهي استراتيجية بنت عليها خططاً وأهدافاً منذ قيام الثورة عام 1979، اعتمدت هذه الصورة على تهميش الخلافات التقليدية بين المذهبين، بل والسعي إلى إضعاف الأصوات المتطرفة داخل إيران. أي أن بناء صورة إيران الإسلامية اعتمد على التركيز على القواسم المشتركة، بعيداً عن حقيقة مايجري خلف الأضواء وبعيداً عن الإعلام. ولهذا يمكن القول: إن التشيع السياسي كان هو الظافر والمنتصر في العقود الأخيرة، حيث انضوت مجاميع ومجتمعات سُنية تحت هذا المشروع، ليس فقط في لبنان والعراق واليمن، وفلسطين، بل أيضاً في إندونيسيا والهند وفي الصين، والجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا. ثمة قوة ناعمة سعت إيران أيضاً إلى بنائها منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، تقريباً منذ رئاسة خاتمي في فترة حكم «الإصلاحيين»، وقد استمرت هذه الصورة بالتصاعد والانتشار والتأثير حتى في فترة حكم الرئيس نجاد، حيث كانت السينما الإيرانية التي تضاهي إلى حد كبير السينما الأوروبية تطلع العالم على عمق هذا المجتمع وتعقيده وثرائه وحيويته ومعاناته، كما تسلط الضوء على المشاكل التي يواجهها منها الأفراد العاديون. يكاد يكون معظم المشتغلين في هذا المجال من الإيرانيين من التيار الليبرالي والإصلاحي المعارض لسياسة الحكام في إيران. الصورة الجميلة التي تسعى إيران الحالية لخلقها في العالم الغربي يساهم فيها الإيرانيون بكل تياراتهم، فالمعارضة الإيرانية ناضجة، فحتى الذين يعلنون معارضتهم للسلطة الحالية، هم في الوقت نفسه يقدمون للعالم خلاصة الحضارة الإيرانية فنوناً وآداباً ويعتزون إلى حد كبير ببلدهم وبكونهم إيرانيين، أي أن ولاءهم لإيران ولفارس الحضارة يتجاوز كرههم للنظام القائم. في نهاية أبريل الماضي قامت مديرة اليونيسكو بزيارة هي الأولى منذ 1994، إلى أصفهان وكرمان والتقاءها بطلبة الجامعة في طهران، وبعشرات الطالبات المتفوقات اللواتي تم اختيارهن بعناية، كل ذلك كان له تأثير إيجابي عميق عند وفد اليونيسكو، في لفتة ذات معنى سعى الإيرانيون إلى تنظيم زيارة لمديرة اليونيسكو لمشاهدة نوادر المقتنيات من اللوحات العالمية الأصلية التي كانت تحتويها قصور الشاه، وكان بعض هذه اللوحات النادرة جداً، جريئة إلى حد عدم إمكان عرضها على العامة في المتاحف الإيرانية، والتي ذكر الإيرانيون أنها تظهر لأول مرة من المخازن بعد 34 عاماً. الاهتمام الإعلامي الهائل بـ«داعش» كان له دور في إعطاء فرصة ثمينة للإعلام والأفراد المناصرين لإيران لتقديم طهران في الإعلام الأميركي كشريك محتمل للولايات المتحدة ضد الإرهاب. وهناك أيضاً السجالات السرية التي لا تُقال في العلن، حول عدم جدوى الحلفاء التقليديين لأميركا من بلدان الخليج وعدم جديتهم في محاربة الإرهاب، وربما لإيجاد البديل في قوى إقليمية أخرى هي إيران ويبدو أن هذا التوجه هو الذي تتبناه إدارة أوباما. الموقف الأميركي العسكري من الدور الإيراني في محاربة «داعش» قد يتغير بعد سيطرة «الجمهوريين» على الكونجرس فيما يخص تقييمهم للاستراتيجية المتبعة، «إيريك براون» من معهد هدسون في محاضرة ألقاها أمس الأحد في دبي ذكر أن أوباما يركز كثيراً على تركته التي يراها متمثلة بتحقيق المصالحة مع إيران وتجنيب الولايات المتحدة حربا محتملة كادت أن تقع بين البلدين، وهو يرى أن هناك طرقاً عديدة أخرى لمحاربة اللوبي الإيراني في واشنطن، منها إبراز ونشر حقيقة الجرائم الشنيعة التي ترتكبها المليشيات الشيعية المنضوية تحت قاسم سليماني في العراق وسوريا، كذلك نشر الوقائع المأساوية اليومية من اضطهاد واعتقال وإعدام، الذي تتعرض له الأقليات الدينية والعرقية في إيران.