كان حدثاً مفاجئاً للجميع تلك الجريمة التي أدت لمقتل مقيمةٍ أميركية تعمل مُدرسة أطفال في إحدى الأسواق العامة بالعاصمة أبوظبي الأسبوع الماضي، وانشغل الرأي العام بتلك القضية انشغالاً كبيراً، لأنها جاءت في بلدٍ اشتهر على مستوى العالم بالمستويات العالية لضبط الأمن ونشر الأمان. أعلن وزير الداخلية الإماراتي الشيخ سيف بن زايد في مؤتمرٍ صحفيٍ تفاصيل الجريمة وتوصل رجال الأمن لحلها في أقل من أربعٍ وعشرين ساعةٍ والقبض على المتهمة الرئيسية فيها في أقل من ثلاثة أيامٍ، كما كشف عن جريمةٍ أخرى حاولت الجانية ارتكابها بعد جريمة القتل، وهي قيامها بوضع قنبلةٍ بدائية الصنع بالقرب من منزل طبيب مصريٍ مسلمٍ يحمل الجنسية الأميركية، وقد استطاع رجال الأمن تفكيكها قبل الانفجار. سمعت قبل سنواتٍ مسؤولاً إماراتياً رفيعاً يتحدث عن أنه وعلى الرغم من كل الإجراءات الأمنية ذات المستويات القياسية عالمياً لمنع وقوع الجريمة، فإنه لا يمكن منعها تماماً، ولكنّه يراهن على سرعة الاستجابة من رجال الأمن بعد أي طارئٍ، وهو تحديداً ما حصل في هذه الجريمة المفزعة، فسرعة الاستجابة وحل القضية والقبض على المتورطين لم يتجاوز ثلاثة أيامٍ. ثمة حقائق يجب إبرازها في هذا السياق، أولاً، أثبتت وزارة الداخلية، تحت قيادة سمو الشيخ سيف بن زايد، أن فوزها بالعديد من الجوائز العالمية في السنوات القليلة الماضية كان مبنياً على أسس متينةٍ على الأرض وتطورٍ في البنية التحتية للأمن من أجهزةٍ ومعداتٍ وتميزٍ على مستوى التأهيل والتدريب والمراقبة والتحليل. ثانياً: لقد أعلنت الإمارات موقفها بصراحةٍ ووضوحٍ من الحركات الإرهابية على مستوى العالم وشاركت العالم في العديد من المواقع الساخنة في محاربة الإرهاب خارجياً ضمن واجباتها كعضوٍ فاعلٍ في المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقد أثبتت كفاءةً عالميةً في التصدي للإرهاب على أرضها وخارجها، ويمكن هنا استحضار السفينة الإماراتية التي اختطفها القراصنة، والتي أنقذتها قوّات الأمن الإماراتية في وقتٍ قياسيٍ. ثالثاً: قدمت الإمارات وعياً متقدماً تجاه الإرهاب وجذوره ومحاربته بخطةٍ استراتيجية متكاملةٍ داخلياً وخارجياً، فهي لم تكتف بمحاربة الإرهاب المحارب فحسب، بل تجاوزته لتجريم حركات الإرهاب المتخفية خلف ستار الإسلام السياسي كجماعة «الإخوان»، فحذرت المنتمين للجماعة داخلياً عبر نفسٍ طويلٍ ثم اعتقلتهم وقدمتهم للمحاكمة ونفّذت الأحكام الصادرة بحقهم، ولم تكتف بذلك بل حاربتهم إقليمياً وتحالفت مع المملكة العربية السعودية ومصر في تجريم الجماعة تشريعياً ووصفها بالإرهابية، وأعقبت ذلك كله بإخراج قائمةٍ دوليةٍ للجماعات والهيئات والحركات والأحزاب الإرهابية في العالم كله. وقد كان هذا الوعي المتقدم حاسماً في منع الكثير من الجرائم والوقاية من شرورها. رابعاً: التنظيمات النسائية السرية بدأت تاريخياً في المنطقة مع جماعة «الإخوان»، وقد واجهت الإمارات التنظيم النسائي السري داخلياً وجرمت الانتماء إليه، وقبضت على عناصره وقضت على نشاطه، ومع الحساسية الشعبية في التعامل مع المرأة إلا أنها أعلنت بكل وضوح أن الأمن أولوية على أي حساسياتٍ شعبيةٍ لا صلة لها بالدين، ويجب أن يثور هنا جدل مستحق حول «النقاب»، الذي لم تعرفه المنطقة تاريخياً بالشكل المعاصر، نعم كانت تنتشر في المنطقة براقع بأسماء وأشكال متعددةٍ ولم يكن من بينها «النقاب» المعاصر بمواصفات الإسلام السياسي، الذي يطمس هوية من يلبسه بشكلٍ كاملٍ ، حتى أن عناصر الجماعات الإرهابية من جماعة «الإخوان» إلى تنظيم «القاعدة» إلى تنظيم «داعش» كانوا يلبسونه لغرض التخفي في حال الملاحقة الأمنية، وبعضهم يضيف إليه ما يعزز التخفي من ماكياج وكحل وغنج. ما توضحه المعلومات التي صدرت عن شرطة أبوظبي ومقطع الفيديو الذي بثته هو أن هذه عملية مدبرة ومخطط لها فالجانية استهدفت هدفيها بناء على جنسيتهم، كما أنها تابعت المجني عليها وحددت مكان وزمان تنفيذ الجريمة بدقةٍ ثم خرجت وأخفت رقم لوحة سيارتها واختارت تغطيته بعلم الدولة بمناسبة الاحتفالات باليوم الوطني، وقامت بصنع قنبلة لا يمكن معرفة صناعتها إلا بتدريبٍ وخبرةٍ ووضعتها عن شقةٍ رصدتها من قبل وتعرف ساكنها، إننا أمام عمليةٍ إرهابيةٍ متكاملة العناصر. وقد وصف الشيخ سيف الجريمة بأنها «ضربة لكل القيم الإنسانية النبيلة التي تتبناها الإمارات، والمستمدة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وموروثنا العربي الأصيل، مؤكداً أن الإمارات تدافع عن تلك القيم الحضارية خارج حدودها كما في داخلها». أخيراً، أصرّ وزير الداخلية على شكر «المجتمع» مواطنين ومقيمين على مشاركتهم الفاعلة في حلّ الجريمة، وهي ميزةٌ مهمةٌ، كما حذّر «كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن الإمارات، أو المساس بأمن واستقرار الناس فيها، بأنه سيجد عقابه الرادع، وعليه أن يواجه قوة الشرطة والمجتمع معاً».