في هذا العصر الذي تعيش فيه أجيالنا افترقت الأمة إلى فريقين: الأول يريد الصلح مع إسرائيل والاعتراف بالدولة التي أقامتها، والثاني يرفض الصلح معهم، وعدم الاعتراف بدولتهم، ونحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر. وقد تخبو الأمة ولا تقوم لها قائمة إذا ما استشرى الداء في روحها، وتخلت عن فرائض أساسية حث عليها القرآن، ،هو تراث الأمة، ومصدر فكرها، ومحيي قلوبها، ومرشد القائمين على ولاية أمورها. ولتوضيح الفرق بين إسرائيل وبني إسرائيل يهمنا هنا توضيح الحقائق الآتية، منعاً لأي اشتباه أو التباس: 1- إن قيل إن بني إسرائيل الذين وصفهم الله في القرآن غير بني إسرائيل في دولة إسرائيل، فقد اندثر الأوائل وتاهوا في الأرض، والأواخر مجموعة من الهجرات الأوروبية البيضاء في أوج المد الاستعماري الأوروبي في القرن الماضي لا صلة لهم بالأوائل، واليهود الشرقيون عرب خلص، تجمعهم وبقية الأعراب من مسلمين ومسيحيين عادات العرب وتقاليدهم ولغتهم ودياناتهم الشعبية.. قلنا إن ذلك صحيح تاريخياً وعلمياً لا جدال في ذلك. فكرة نقاء الشعب وبقائه في التاريخ واستمرار هويته فكرة عنصرية صرفة، وهي إحدى أشكال العنصرية الغربية الدفينة، ومع ذلك، فإن حجة إسرائيل الكبرى هي أنها سليلة بني إسرائيل، العبرانيين القدماء، وأن دولة إسرائيل حالياً هي تجميع لشتات بني إسرائيل القدماء، وسواء كان ذلك الادعاء حقاً أم باطلاً، فإنه في كلتا الحالتين واقع سياسي، يدعم دولة إسرائيل، وقد تربّت أجيالها عليه، وتستقطب الرأي العام حوله، وقد ضاعت أراضي المسلمين بسبب هذا الادعاء وعدم مقابلته بتوضيح زيفه وبطلانه، ولعدم إيضاح الحقائق التي مازالت مطمورة في صدور المسلمين. 2- لا يعني التوحيد بين بني إسرائيل في القرآن، وإسرائيل القائمة على أرض فلسطين استمرارية في النسل، وأن إسرائيل اليوم هي من لحم ودم بني إسرائيل، فذاك ما ينفيه علماء الأجناس، نظراً لتداخل الشعوب وتزاوجها، ورغم انعزالية بني إسرائيل، فإن التماثل بينهم وبين إسرائيل الحالية هو تماثل في السلوك والمفاهيم، والنظرة للعالم، وفي رؤيتهم لبقية الشعوب، وفي طريقتهم في التعامل معها. فهي وحدة معنوية وإن لم تكن وحدة جنسية عرقية. 3- إن وصف القرآن لبني إسرائيل يطابق سلوكهم اليوم وادعاءهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه،، وأن الله دخل معهم في ميثاق أبدي، يعطيهم كل شيء ولا يطلب منهم شيئاً، حتى الطاعة لم يطلبها منهم، ووعدهم بالأرض والنسل والغنم والنصر، فهو رب الجنود، وجيشهم جيش الله، ولغيرهم الاستئصال والغرم والهزيمة والاستعباد، ثم إن سلوك بني إسرائيل لم يتغير في التاريخ القديم أو الحديث، وإن تغيرت أساليبه وطرقه، وهو ما تعتز به إسرائيل وما يؤيده سلوكها طبقاً لوصف القرآن له. 4- إصدار أحكام عامة وشاملة حول بني إسرائيل، ووصف خصائص ثابتة لهم، لا يعني أي معاداة للسامية، بل يعني حكماً علمياً طالما أن سلوك بني إسرائيل قائم على ما هو عليه. لذلك جاءت معظم هذه الأوصاف في السور والآيات المدنية عند تأسيس الدولة، ووصف سلوك الجماعات والأفراد كمواطنين في تلك الدولة، حرصاً على أمنها وسلامتها، ولا ينطبق الحكم على من يغير سلوكه وموقفه كما فعل أنبياء بني إسرائيل والمسيح وأتقياء اليهود، مثل أهل الكهف، وكل من يرفض ادعاءات بني إسرائيل في الاختيار الإلهي، مثل المصلحين اليهود خلال عصر التنوير، يكون جزاءه القتل والتشريد والتعذيب منهم. 5- لا يعني ذلك دعوة للحرب، فذاك متروك لقادة الأمة، وإنما الهدف هو الحرص على وعي الأمة، وعلى شرعية نظرتها للعالم، وعدم تزييف وعيها القومي، سواء في الحاضر أو المستقبل. ليست الخطورة في أن تهزم الأمة عسكرياً، ولكن الخطورة في أن يضيع وعيها، وأن تصيب الهزيمة روحها.