لعب الدبلوماسي الأميركي «كريستوفر هيل» دوراً رئيساً في أربع أزمات دبلوماسية كبرى، هي الأزمة البوسنية التي أفضت إلى اتفاقية «دايتون» للسلام، وأزمة كوسوفو التي انتهت بتدخل حلف «الناتو»، وجهود إدارة بوش الابن لوقف طموحات كوريا الشمالية النووية، والانتخابات المحلية في العراق التي أشرف عليها بصفته أول سفير للرئيس أوباما في بغداد. وفي كتابه الجديد، «القاعدة الأمامية.. الحياة على جبهة الدبلوماسية الأميركية»، يتناول «هيل» مذكرات حياته الدبلوماسية في ست إدارات أميركية، خلال عهد كارتر وريجان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأوباما. ورغم أن الكتاب ليس مكرساً لقضية كوريا الشمالية، فإن جزءاً كبيراً منه يتناول المفاوضات مع «بيونج يانج». ويعتبر الكتاب مقدمة جيدة للعبة الدبلوماسية الصعبة، ولا يعتبر مؤلفاً بلاغياً، وإنما يسرد «هيل» مذكراته بأسلوب شيق ومسلي وفي بعض الأحيان مثير للضحك. واستغرق وقتاً في محاولة لشرح جوهر المشكلة الدبلوماسية للقراء، من دون الخوض في مصطلحات غير مرغوب فيها. وهيل، الدبلوماسي الذي يتبع المدرسة القديمة، يركز دائماً على المضي قدماً، آخذاً في الحسبان حماية المصالح الأميركية، خصوصاً الحفاظ على العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين، لكن لم يكن لديه صبر على المؤدلجين المتزمتين، خصوصاً أولئك الذين اعتبرهم محافظين جددا في إدارة بوش، وكان يُكنّ عداءً خاصاً لنائب الرئيس السابق «ديك تشيني»، إذ يعتقد أنه هو من أضعف جهوده الدبلوماسية في كوريا الشمالية. وعلّق «هيل» على ظهور «تشيني» عبر التلفاز لانتقاد اختياره كسفير لأميركا لدى العراق، قائلا: «تعجبت من مدى تنازله للظهور في مشهد رخيص عبر التلفزيون المحلي كي ينتقد مرشحاً للخدمة في العراق». وتستحوذ فترة عمل «هيل» كمساعد لوزير الخارجية الأميركي لشؤون شرق آسيا ومبعوث للمحادثات النووية مع كوريا الشمالية، على الجزء الأكبر من الكتاب. ووصفته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة «كونداليزا رايس» بأنه صانع صفقات وبأنه كان متحمساً لبدء التفاوض لدرجة أنه تجاوز تعليماتها أثناء اجتماعه الأول. فقد كانت «رايس» مصرّة على حضور المسؤولين الصينيين لكي لا تبدو جلسة المفاوضات مع الطرف الكوري الشمالي ثنائية، لأنه في ذلك الوقت منعت إدارة بوش إجراء محادثات بين الطرفين فقط، لكن عندما لم يحضر الصينيون في فندق مملوك للحكومة في بكين، مضى «هيل» في المحادثات قدماً. ومثل هذا النموذج في العمل من الأسباب التي جعلت «هيل» شخصية مثيرة للجدل في الإدارة. وهناك سبب آخر هو أنه أصبح معروفاً بجهوده الحثيثة لحل الصراع. وإلى جانب المستشارة «أنجيلا ميركل» و«آغا خان»، حصل على جائزة معهد «تشاتام هاوس» للشؤون الدولية، بسبب إسهاماته في تحسين العلاقات الدولية. وأشار في كتابه إلى أنه حاول دفع السبل الدبلوماسية مع كوريا الشمالية قدر الإمكان، رغم المعارضة الشرسة من المنافسين في إدارة بوش، لكن مما صعّب مهمة «هيل» إلغاء إدارة بوش الأولى اتفاقية مع «بيونجيانج» كانت قد أبقت مجموعة من المواد النووية تحت رقابة مشددة من قبل مفتشي الأسلحة النووية التابعين للأمم المتحدة. وبمجرد أن خرج الجني من قمقمه، استخدمت كوريا الشمالية بعض البولوتونيوم في تجربة تفجير سلاح نووي، وبات من الصعب إعادته مرة أخرى، رغم نجاح «هيل» في إقناع إدارة بوش بمواصلة تقديم الحوافز لبيونج يانج. وفي النهاية، استفادت كوريا الشمالية من تنازلات إدارة بوش، مثل إزالتها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأوقفت التفاوض. وأكد «هيل» في كتابه أنه كان من المستحيل الوصول إلى اتفاق مع كوريا الشمالية، وأن إدارة أوباما لم تحاول أبداً تولي زمام المبادرة، لكن «هيل» حاول مواساة نفسه بحقيقة أن جهوده أفضت إلى تحسين العلاقات مع كوريا الجنوبية، وإن كان ذلك إنجازاً ضئيلا. وائل بدران ------ الكتاب: القاعدة الأمامية المؤلف: كريستوفر هيل الناشر: سيمون آند شوستر تاريخ النشر: 2014