تعتبر الانتخابات العامة الهندية التي أجريت في مايو الماضي أهم انتخابات في تاريخ الهند منذ 1977، حيث تميزت بهزيمة مدوية لـ«حزب المؤتمر» الحاكم وبفوز كاسح لـ«حزب بهارتيا جاناتا» وبأسلوب جديد وغير مسبوق لخوض الحملة الانتخابية. فبعد أسبوعين ونيف على بدء الانتخابات، والتي أجريت على مراحل وبلغ عدد الناخبين المسجلين فيها 800 مليون موزعين على 28 ولاية، شعر المخططون الاستراتيجيون لـ«بهارتيا جاناتا» بأن مرشحهم في حاجة إلى شيء إضافي ومميز، فتفتقت عبقريتهم عن حملة من عروض الهولوجرام اليومية التي يظهر فيها مرشحهم ناريندرا مودي وكأنه حاضر جسدياً باستعمال تقنية ثلاثية الأبعاد. وبفضل هذه التقنية المتطورة، ظهر مودي يخطب في الناس مباشرة في صور ثلاثية الأبعاد في أكثر من 1300 موقع عبر الهند وشاهده فيها قرابة 7 ملايين شخص على مدى 12 يوماً. غير أن كل عرض من تلك العروض اليومية كان يكلف الملايين، كما يقول راجديب سارديساي، الكاتب والصحفي الهندي المعروف، في كتابه الجديد «2014.. الانتخابات التي غيّرت الهند». وهكذا، كانت الحملة الانتخابية غير مسبوقة لأسباب عديدة، ليس أقلها المبالغ الباهظة التي أنفقها «بهارتيا جاناتا»، وهو ما ساعد الحزب الهندوسي القومي على تغيير حظوظه. ففي انتخابات 2009، كانت النتائج التي حصل عليها الحزب في الانتخابات جد سيئة لدرجة أن البعض توقع زواله. كما أن الهندوس المنتمين للطبقة المتوسطة كانوا يشعرون بالقلق بسبب العنف الديني الذي كان يعمل الحزب على إذكائه في كثير من الأحيان. غير أنه في انتخابات هذا العام تمكن الحزب من حصد 282 من مقاعد البرلمان الـ350، وهو ما جعله أول حزب يفوز بالأغلبية، بعد «حزب المؤتمر»، الحزب الوطني التاريخي في الهند، كما جعل مودي أحد أقوى رؤساء الوزراء في تاريخ البلاد. وفي عرض الهولوجرام، ظهر مودي متحدثاً مفوهاً وممتلكاً من ناصية اللغة الهندية؛ غير أن القوة الحقيقية خلف «موجة مودي» كانت تكمن في ضعف خصومه في الحقيقة، كما يقول سارديساي. ذلك أن «حزب المؤتمر» كان قد فقد كثيراً من قوته ومصداقيته أمام الناخبين بعد سلسلة من الائتلافات الحكومية، التي شابتها صراعات وفضائح فساد. كما أن مرشحه لرئاسة الوزراء، راهول غاندي، بدا ضعيفاً ودون المستوى المتوقع من وريث عائلة نهرو -غاندي السياسية، بل إن راهول الشاب كان في بعض الأحيان ضحية لنفسه بسبب بعض التصريحات الرعناء وغير المدروسة التي كانت تصدر عنه خلال الحملة الانتخابية، والتي كانت تعطي الانطباع بأنه غير حساس تجاه ما يكابده بسطاء الهند وفقراؤها من معاناة وشظف عيش. وبالمقابل، سعى «بهارتيا جاناتا» إلى إقناع هذه الفئة الواسعة من الناخبين بأنه يفهم مشاكلها ويقدّر معاناتها. والحق أن حكومة مودي قامت بخطوات مهمة وواعدة لتغيير تركيز السياسات الهندية من المنح والمساعدات إلى النمو الاقتصادي. وبالنظر إلى أغلبيته المريحة وبراعة مودي في الإدارة والتسيير، يمكن القول إن لدى الحزب اليوم فرصة تاريخية لتحسين الهند. غير أنه بالنظر إلى سجله في استغلال الكراهية الدينية، فإنه قد يلحق أذى بالغاً بالسلم الاجتماعي وينسف التلاحم بين مكونات المجتمع الهندي إن هو سقط في فخ التعصب الديني. محمد وقيف ------ الكتاب: 2014.. الانتخابات التي غيّرت الهند المؤلف: راجديب سارديساي الناشر: بينجوين/فايكينج تاريخ النشر: 2014