في أكثر من مرة أكون في دولة الإمارات، في رحلة عمل أو إجازة مع العائلة، يتصادف وجودي مع احتفال الإمارات باليوم الوطني. ما يشدني ويسعدني هو الاعتراف والاعتزاز الذي يبديه أشقاؤنا في الإمارات للدور الكبير الذي قام به المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ زايد آل نهيان، يرحمه الله، لقيادة الإماراتيين نحو إتمام مشروع اجتماعهم واتحادهم تحت مظلة وطنية، يحق لهم الآن، بل لنا جميعا، أن نعتز بها ونجني ثمارها معهم. واعتزاز الإماراتيين بدور الراحل الكبير الشيخ زايد يقابله نفس الوفاء الذي نحمله جميعا في السعودية تقديراً لدور الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، يرحمه الله، الذي قادنا جميعاً لمشروع الوحدة. ما حدث في السعودية وما حدث في الإمارات هو أيضا مشروع وحدة للشعوب في العالم العربي. المشروعان يؤكدان أهمية الزعامات ودورها في قيادة الشعوب لتلتقي على مصير ومصالح مشتركة. في هذه المناسبات الوطنية، الوفاء للزعيمين من أبناء شعبيهما لم يأتِ مدفوعاً بعاطفة وطنية فقط أو مجاملة سياسية، إنه يأتِي من معطيات على أرض الواقع في السعودية وفي الإمارات، نعيشها الآن ونستظل بخيرها، ويأتي من اعتبارات التاريخ غير البعيد، الذي نعرفه لبلادنا وللإمارات، حيث كان الناس مشتتين ومتناحرين، ولا تجمعهم فكرة ولا يتطلعون إلى مشروع. نحن نعتز ونقدر ما أنجزه الزعيمان، فقد قادا مشروع وحدة، تفوقا على ذاتهما وانطلقا من المستقبل، برؤية واسعة، وقلب كبير وجيب مفتوح.. إنه مثلث القوة والتميز الذي لا يعرفه إلا الزعماء الحقيقيون الذين يصنعون منجزات حقيقية. لو تحدثت مع سعودي عما أنجزته دولة الإمارات في العقود الماضية وما وصلت إليه الآن في مجال بناء الإنسان والمكان لربما ظن أنك تسخر منه، فالتجربة الإماراتية التي نجحت في أبوظبي وفي دبي وبقية الإمارات هي جزء من نجاحنا، والسعوديون يشدون الرحال إلى دبي أو أبوظبي أو الشارقة وكأنهم ذاهبون إلى مدنهم المترامية في أطراف المملكة. الشعوب تتعلم من التجربة كيف تطور مصيرها المشترك وتوحد مصالحها وتتبادل المنافع. وإذا وصلت الشعوب إلى هذه المرحلة فقد نجحت الحكومات ونجح الزعماء. في دول الخليج.. منذ سنوات وحَّد الناس التعامل في العملة، وتوحدوا في الخوف على أوطانهم، وتسابقت تقديراتهم للمخاطر والمنافع المحيطة بهم، وهناك من قال: رب ضارة نافعة! الوضع المتدهور في المنطقة، وتسابق القوى العظمى عليها، واتضاح قوس الأزمات حولها، كل ذلك جعل الناس راعية المشروع الأمني الوطني لدول الخليج جميعاً. بحول الله نرى ثمار هذا الإحساس بالمصير المشترك في القمة الخليجية القادمة في الدوحة. الشيخ زايد، يرحمه الله، كان في أولويات مشروعه للوحدة تأسيس مقومات مجتمع الرفاه لشعبه، والثروة الكبيرة التي تفجرت بين يديه سخرها لتلبية الاحتياجات الأساسية لأبناء الإمارات جميعاً، فأطلق مشاريع الإسكان والتعليم والمساعدات الاجتماعية التي تستهدف ميسوري الحال والبسطاء من أبناء البادية والأرياف. وقد نجح في هذا المشروع، وهذا النجاح نراه في بروز طبقة وسطى متعلمة، والمهنيين المحترفين أصبحوا يتواجدون في جميع مناحي الحياة، وعندما نكون في المؤتمرات وورش العمل في الإمارات ونرى إخواننا الإماراتيين في المنصات يتصدون للموضوعات الفنية المعقدة، في العلوم والاقتصاد والهندسة، وغيرها.. نتذكر حجم الإنجاز الذي قاده ورعاه الشيخ زايد لشعبه. أيضاً نتذكر دور الشيخ زايد ليس في بناء الإنسان فقط، وإنما في إعمار المدن، وفي حراك وحيوية السياسة الخارجية. الإمارات الآن بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد تؤسس لحضور سياسي فاعل داعم للإجماع العربي والخليجي والإسلامي، وإنجاز الإمارات الدولي نراه داخل الإمارات في احتضانها لأكثر من 200 جنسية، إنها دولة تفتح أبوابها لكل من يريد أن يعمل وينتج ويبدع. عندما نتأمل ما حولنا، نرى الإمارات ودول الخليج عموما، هي البيئة المستقرة العامرة بالمشاريع التي تنفع الناس، فمساحة الإعمار تتوسع كل يوم.. في محيط يطاله الخراب والدمار وتهرب منه الناس بالملايين، والأطفال والشباب يحملون على أكتافهم البنادق، بدل أن يكونوا في فصول المدارس والجامعات. بعد ثلاثة وأربعين عاما من تأسيس الدولة، من الجميل أن ترى الوفاء من الإماراتيين لموروث الشيخ زايد والقادة المؤسسين يزداد وينمو بصور عديدة، والوفاء سنام الأخلاق، وأهم صور الوفاء لهؤلاء القادة المؤسسين حرص إخواننا الإماراتيين على الحفاظ على مكتسبات بلادهم والبناء عليها، لقد ضحى وتعب المؤسسون الأوائل من أجدادهم، ومن حقهم على أحفادهم أن يحافظوا على ما بنوه وما ورثوه لهم بتعبهم وبتضحياتهم. ------ عبد الوهاب الفايز رئيس تحرير صحيفة اليوم السعودية