يحاول بوتين قلب الهزيمة انتصاراً. وبعد أن أجبره الموقف المتصلب لبلغاريا الاثنين الماضي على إلغاء مشروع تمديد أنبوب «ساوث ستريم» للغاز الطبيعي، أعلن عن توقيف خطة العمل بالمشروع وبدأ التفكير بطريق آخر لمرور الأنبوب عبر تركيا. وذلك بغية التأكيد للأوروبيين «المشاكسين» أنه قادر على التخلي عنهم. وهو يرى أنه ما زال بوسع روسيا التعامل مع الأنظمة السلطوية في أوروبا الشرقية. وكان الهدف من مشروع «ساوث ستريم»، ضخ الغاز إلى أوروبا عبر طريق لا يمر بأوكرانيا. ويمكن لهذا الخيار أن يسمح لروسيا بالتمتع بامتياز التخلي عن خدمات جارتها الغربية الجنوبية الثائرة وحرمانها من التموين بأهم مصدر للطاقة الروسية دون التفريط في العقود المبرمة مع الزبائن الأوروبيين. ولا تزال شركة «غازبروم» الروسية الوطنية تضخ الغاز عبر الأراضي الأوكرانية التزاماً بعقودها. وهذا ما يمنح أوكرانيا فرصة قطع الغاز عن أوروبا لو توقفت روسيا عن تموينها به. ولم يحبّذ الاتحاد الأوروبي فكرة مشروع «ساوث ستريم» أبداً، ليس فقط لأنه سيحمل الكرملين على الشعور بأنه استطاع جعل المشكلة الأوكرانية قضية ثانوية في نظر الأوروبيين من الناحية الاستراتيجية، بل لأن دول الاتحاد الأوروبي تبحث عن أساليب تضمن لها تخفيض اعتمادها على الغاز الروسي بدلا من زيادته. كما أن الأوروبيين لا يريدون لبائعي الغاز السيطرة على البنى التحتية لأنبوب ضخّه. أما «غازبروم»، فأعلنت عن أنها لا ترغب بالعمل وفق منطق غير هذا. وعمد الاتحاد الأوروبي إلى تحذير الدول التي أبرمت صفقات ثنائية مع روسيا حول المشروع، وهي النمسا وبلغاريا وكرواتيا واليونان والمجر وسلوفينيا، بأنها ستتحمل تبعات مشاركتها في إنجاز أعمال تمديد الأنبوب، وستتعرض للعقوبات إن واصلت العمل به. كما وجّه إنذاراً لصربيا بأن موافقتها على مرور الأنبوب عبر أراضيها سوف يضرّ بجهودها الرامية للانضمام إلى الاتحاد. أما المجر، تحت حكم حليف بوتين «فكتور أوربان»، فأعلنت بصوت عال معارضتها الكاملة للأخذ بنصائح الاتحاد الأوروبي. لكن حتى لو وافقت النمسا وكرواتيا واليونان وصربيا وسلوفينيا على المشروع الروسي، فإنه سيؤول إلى الفشل من دون موافقة بلغاريا. وكان المفترض أن تسمح هذه الدولة الأكثر فقراً في أوروبا، للأنبوب بعبور أراضيها بعد أن يمر عبر قاع البحر الأسود ومنها إلى أوروبا. لذلك قال بوتين خلال زيارته الأخيرة لأنقرة: «إذا أخذنا في الاعتبار الحقيقة التي تفيد بأننا لم نحصل حتى الآن على موافقة بلغاريا، فإننا نعتقد بأن روسيا لا يمكنها مواصلة العمل في المشروع. وإذا لم تنتبه أوروبا إلى هذه النقطة، فلن نحاول لفت نظرها إليها. وسوف نعيد توجيه مصادر طاقتنا المتدفقة إلى مناطق أخرى من العالم». لكن ما سيحدث يمكن تلخيصه في تمديد الأنبوب عبر تركيا باستخدام البنى التحتية ذاتها التي تم تصميمها لبناء خط «ساوث ستريم»، بحيث يتواصل ضخ الغاز إلى أوروبا عبر خط أكثر تعرّجاً. ووفقاً لما قاله «أليكسي ميللير»، المدير العام التنفيذي لشركة «غازبروم»، فإن طاقة الضخ للأنبوب سوف تبلغ 63 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، أو ما يساوي طاقة أنبوب مشروع «غاز ستريم» المستهدفة. وسوف تشتري تركيا 14 مليار متر مكعب من هذه الكمية وتمرر الباقي إلى دول البلقان. ------------------- *محلل اقتصادي أميركي ------------------------ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»