كان مثيراً للفرح لدى كثير من الخليجيين ذلك اللقاء الأخوي الذي جمع الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، في الدوحة، والذي أكد مدى عمق الترابط الأخوي وروح التعاون بين البلدين، دولة الإمارات ودولة قطر، من منطلق أن وحدة دول الخليج هي قدر ومصير. فالاختلاف في وجهات النظر والتباين في الآراء قد يحدث بين الأشقاء، وهو سنّة من سنن الحياة، لكن من سنن الحياة أيضاً أنه لا يستمر، وهذه بحمد الله وتوفيقه من الصفات الحميدة التي يتصف بها قادتنا في الخليج عموماً، وذلك لمعرفتهم بأنه مما لا يخدم مصلحة الدول استمرار أي اختلاف في وجهات النظر، بل أن ذلك الاختلاف قد يستغله المداهنون والمتاجرون الذين لا يريدون الخير لهذه الأمة. إن مجلس التعاون الذي جمع الإمارات والسعودية والكويت وعُمان وقطر والبحرين في الرابع من شهر فبراير عام 1981 في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، كان بالأساس استجابةً لرغبة شعوب المنطقة في تحقيق حلم الوحدة فيما بينها، كما مثّل إدراكاً عميقاً من قادة دول الخليج لحقيقة أن وحدة هذه الدول هي قدر ومصير لابد منه، لاسيما أن الفشل الذي أصاب تجارب بعض الدول العربية في التجمع والتعاون والوحدة.. كان سببه عدم إدراك قادتها أهمية الوحدة وعدم وجود رغبة شعبية دافعة. لذلك فإن مجلس التعاون أصبح منذ اليوم الأول لولادته هو «بيت الخليج الأول»، المعبر عن آمال وطموحات المنطقة في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء والكيانات والتكتلات الكبرى، وخاصة بعد ظهور تجمعات اقتصادية وسياسية عديدة في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية. فالكيانات الكبرى القوية لم تتحقق إلا بالوحدة والتعاون المشترك، فأميركا مثلاً يرجع سر قوتها وهيمنتها على العالم إلى كونها تضم 50 ولاية كل منها بمثابة دولة. وعندما انهار الاتحاد السوفييتي الذي كان يرعب العالم وتفككت وحدته، أصبح اليوم دولة ضعيفة غير قادرة على فرض إرادتها على العالم مثلما كانت في السابق. إن دول الخليج تمر اليوم بمرحلة حساسة، وذلك لما يحيط بها من اضطرابات إقليمية ودولية، ويتعين أن تثبت قدرتها على التماسك والالتزام بوحدتها في مجلس التعاون، والإسراع نحو تقوية التكامل فيما بينها كدول وشعوب ومؤسسات، لما لذلك من أهمية في تحقيق الأهداف المرجوة من المجلس. نحن جميعاً نعيش في عالم متغير مليء بالتقلبات والاضطرابات، وفي زمن القوة والتوازنات والتكتل بين الدول، وهو عصر لا يعرف إلا الأقوياء، عصر متعدد الاتجاهات والأبعاد. فالتغيرات السياسية الجارية والخطط والسيناريوهات المطروحة بشأن المنطقة العربية ليست فقط على المستوى السياسي والعسكري، بل على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي أيضاً، وهي تفرض علينا الانتقال من التعاون إلى التكامل والوحدة. وهكذا فإن التحديات الإقليمية التي تواجه منطقة الخليج العربي، تجعل من الحكمة أن يسارع أهل الإقليم في إنجاز مثل هذا التماسك فيما بينهم، وهذا ما وعته وتعيه دائماً قيادات دول مجلس التعاون الخليجي.