لم ينتخب الأميركيون أوباما رئيساً لأنه أميركي أسود، لكنهم انتخبوه لأنه كان ضد سياسة بوش في الحرب على العراق، ولم يمددوا له دورة رئاسية ثانية لسواد عيونه، ولكنهم مددوا له حتى ينجز عملية سحب القوات الأميركية من أفغانستان. أوفى أوباما بتعهداته وتجاوب مع الآمال الأميركية. فقد سحب كل قواته من العراق حتى قبل توفير البديل. فغرق العراق في صراع مذهبي (سُني – شيعي)، وفي صراع عرقي (عربي – كردي)، وتحول بسبب ذلك إلى بوابة عريضة للنفوذ الإيراني في المنطقة. كذلك لم يخيب أوباما الآمال الأميركية في أفغانستان، فقد بدأ سحب قواته من هناك على أن ينجز عملية الانسحاب كما وعد هو نفسه مطلع العام الجديد 2015. أما ما بعد الانسحاب، فلن تكون أفغانستان أفضل من العراق. لم يلعب لون بشرة الرئيس الأميركي دوراً في سياسته. لعبت ثقافته القانونية الدور الأكبر. فالمجتمع الأميركي الأبيض الذي استعبد السود لأكثر من قرن من الزمن، لم يتغير إلا قليلاً. وفي اعتقاد العديد من الأميركيين السود، لم يتغير أبداً. أذكر أنني كنت ضمن وفد دولي في زيارة للولايات المتحدة تنظمها سنوياً دائرة رسمية في وزارة الخارجية، كان يرافق الوفد أستاذان جامعيان. سيدة بيضاء، ورجل أسود. وبعد أيام قضيناها معاً في الجولة، توطدت علاقتي بالرجل الأسود. فقال لي إنه يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وأنه أستاذ في الجامعة، وأسرّ لي أن السيدة البيضاء لم تحصل بعد على شهادة الليسانس. ومع ذلك فانها تتقاضى تعويضاً من الدولة أكثر مرة ونصف مما يتقاضاه هو. أما السبب كما أكد لي فهو لون البشرة. شعرت بألم عميق يعتصره من جراء هذا التمييز. ولما حاولت تطييب خاطره قال لي: «لقد تعوّدنا على ذلك». ولكن من الواضح أن قبول صديقي الاستاذ الجامعي بهذا الأمر الواقع لا ينعكس على مجتمع الأميركيين السود. بعد أحداث مدينة فيرغسون في ولاية ميزوري (التي انطلقت من حادث اطلاق رجل أمن أبيض –دارن براون- النار على فتى أسود (مايكل براون)، أعزل من السلاح وقتله في الشارع ومن ثم تبرئة رجل الأمن أمام القضاء)، يعكس السود مشاعر أقرانهم في سائر أرجاء الولايات المتحدة. عبّر عن هذه المشاعر مواطنون سود عاديون. قالوا: «نحن لا ننتمي إلى هذا المجتمع. المجتمع يرفضنا. لقد جرى سبي أجدادنا من أفريقيا وشحنوا كالحيوانات بحراً إلى هنا. واستعبدوا جيلاً بعد جيل. وحتى الآن لا نزال نعامَل كالعبيد رغم صدور قوانين بإلغاء التمييز العنصري. إننا نشعر أنه لا مكان لنا هنا.. مكاننا الطبيعي في أفريقيا إنه قدرنا، إنه حكم بشرتنا السوداء». تعكس هذه المشاعر وقائع دامية. ففي عام 1992 وقعت حادثة في مدينة لوس أنجلوس ذات بعد عنصري. إذ أقدم أربعة رجال شرطة من البيض على ضرب رجل أسود (رودني كينج) بشكل متوحش. التقط هاوٍ صور المشهد المروع، فكانت ردة فعل أودت بحياة 53 شخصاً ودمرت وأحرقت شوارع رئيسية في المدينة وفي مدن أميركية عديدة أخرى. فالمواطن الأميركي الأسود يشعر أنه متهم حتى يثبت إدانته. ففي العشرين من نوفمبر الماضي قتل شرطي أبيض شاباً أسود في ضاحية بروكلين في مدنية نيويورك على الشبهة. ثم تبين أن الشاب كان يغادر شقة رفيقة له تسكن مع عائلتها في الشارع الذي وقعت فيه حادثة القتل. ومصدر الشبهة هو اللون الأسود! وبعد ثلاثة أيام وقعت حادثة مشابهة في مدينة كليفلاند بأوهايو، حيث قتل شرطي شابا يبلغ من العمر 17 عاماً كان يلهو بمسدس مائي! إن 86 بالمائة من عمليات الاعتقال التي يتعرض لها سائقو السيارات في مدينة فيرغسون تشمل السود وحدهم. والسود في هذه المدينة كما في سائر المدن الأميركية الأخرى، يشكلون طبقة الفقراء، بل المعدمين.