بسرعة عجيبة، ارتقى السياسي ورجل الأعمال الإندونيسي «جوكو ويدودو» من حاكم للعاصمة جاكارتا، إلى منصب رئيس الدولة. ومنذ وصوله القصر الرئاسي، بدأ العالم يتابع عجائب وغرائب الديمقراطية الإندونيسية. والآن، بات من الواضح أنه يريد «دمقرطة» الاقتصاد من خلال تركيز الاهتمام أكثر على الخصائص النوعيّة للنمو إلى جانب الخصائص الكمّية. وقبل ستة عشر عاماً، كانت إندونيسيا تشهد انهيار وفشل نظامها كدولة. وفي عام 1998، عندما أطاحت أعمال الشغب والتظاهرات الاحتجاجية بالرئيس سوهارتو، بدأ المحللون بتخفيض مستوى توقعاتهم المتفائلة حول مستقبل اقتصاد رابع أضخم دولة في العالم من حيث عدد السكان. واليوم، استقر معدل النمو الاقتصادي فيها عند مستوى 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع ظهور بوادر ومؤشرات لارتفاعه أكثر. إلا أن هناك الكثير من العوامل التي يمكن للرئيس «ويدودو» أن يقلق بشأنها. ومنها أن إندونيسيا تأتي ضمن قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم. ويعيش أكثر من 40 بالمئة من عدد سكانها البالغ 250 مليوناً بمتوسط دخل يومي يقلّ عن دولارين. وعمد «ويدودو» إلى شرح الأسباب التي جعلت من إندونيسيا بلد الأخبار السعيدة والذي يقدم لبلدان آسيا النموذج، الذي يجب أن تقتدي به. وكانت طريقته لتحرير الاقتصاد تعتمد على تخفيض أسعار مشتقات الوقود وتوفير 11 مليار دولار لميزانية 2015 من خلال تخفيض الإنفاق العام والحدّ من الفساد. وربما كان الأهم من كل ذلك هو الأجندة المتقنة والصارمة التي لا تقتصر على تسريع النمو فحسب، بل على تحسين نوعيته أيضاً. ولقد بدأت النخب الاستثمارية في جاكارتا تستشعر بوادر هذا التطور بالفعل. وقد يبدو من الغريب طرح الأمور على هذا النحو في بلد يعج بأكبر عدد من الفقراء في العالم. ويبدو أن «ويدودو» بات لا ينظر إلى الأمور إلا من خلال الشركات العالمية لخدمة المستهلك، التي يمكنها أن تستثمر بقوة في إندونيسيا، وخاصة بعد نشر توقعات تفيد بأن من المنتظر أن يتضاعف فيها حجم شريحة الطبقة المتوسطة إلى 141 مليوناً بحلول عام 2020، وتبلغ نسبة من تقل أعمارهم عن 30 عاماً أكثر من نصف عدد السكان، ويبلغ متوسط الدخل الفردي 4000 دولار سنوياً، وهو أقل بكثير مما هو عليه في دول شرق آسيوية مثل ماليزيا وتايلاند. ولا تزال الغالبية العظمى من الطبقة الوسطى في إندونيسيا تنتمي إلى فئات الفلاحين المتخصصين بزراعة الأرز وبعض المحاصيل الأخرى مقابل بضع مئات الدولارات في كل موسم حصاد. وهذا يفسر السبب الذي أهّل سياسات «ويدودو» التي تهدف إلى إطلاق برامج لتحسين العوائد المادية للمواطنين، لاكتساب هذه الشعبية الواسعة التي دفعت به إلى سدّة الحكم. ويضاف إلى هذه البرامج، سعي الحكومات المحلية في مختلف الولايات الإندونيسية إلى الرفع من كفاءة نظامي التعليم والخدمات الصحية. وليس هذا كل شيء، فلقد تبنى الرئيس «ويدودو» خمس خطوات مهمة تفوق في أهميتها مجرد زيادة حفنة من الدولارات على الأجور اليومية للموظفين والعمال. ومنها، محاربة الفساد على المستوى الحكومي الرسمي، وتسهيل دخول المستثمرين الأجانب إلى إندونيسيا، وإطلاق مشروع طموح لترقية البنى التحتية، وزيادة الريوع الضريبية للحكومة من خلال جمع الضرائب من رجال الأعمال والشركات المرتبطة بعلاقات مصالح مع النخب السياسية، وتقوية قطاع الصناعة وخاصة تصنيع المنتجات القابلة للاستهلاك والتصدير. ــ ـ ـ محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»