يمكن القول: إن الانتقال من مجتمع المعلومات العالمي بسماته التي سبق أن أشرنا إليها إلى مجتمع المعرفة يعد نقلة كيفية في مجال التطور الحضاري الإنساني. وليس معنى ذلك أن المجتمعات الإنسانية السابقة أو الحديثة أو المعاصرة لم تكن مجتمعات معرفة، ولكن الفرق يبدو فى نوع المعرفة التي تسود المجتمع، وخصوصاً فى ظل انتشار تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال الجديدة، وبروز الإنترنت كشبكة عامة فتحت فرصاً جديدة لتوسعة الفضاء العام للمعرفة. ويمكن القول: إن السيطرة على المعرفة- كما يقول تقرير اليونسكو- اليوم كما في الماضي يمكن أن تترافق مع عدد كبير من التفاوتات والإقصاءات والصراعات الاجتماعية. وفى ظل الفكرة التي تذهب إلى أن المعرفة قوة فقد ظلت ردحاً طويلاً من الزمن حكراً على من يسيطرون على المجتمعات، وخصوصاً الحكماء في المجتمعات القديمة الذين كانوا يحتكرونها، بحيث لا يتاح للعامة أن يعرفوا أسرارها المصونة. غير أنه اعتباراً من عصر الأنوار أدى التقدم في المسار الديموقراطي الذي يقوم على أساس مبدأ الانفتاح وانتشار أفكار العالمية والحرية والمساواة، أن ظهر- وإنْ كان ببطء- فضاء عام للمعرفة ساعد على تطويره انتشار المعارف بواسطة المخطوطات، ثم كان ظهور الطباعة قفزة كبرى في هذا المجال، بالإضافة إلى شيوع التعليم العام والتعليم الجامعي. والسؤال المطروح الآن هل سيؤدي انتشار تكنولوجيا المعلومات وبروز الإنترنت كشبكة عامة لفتح فرص جديدة لتوسعة الفضاء العام للمعرفة، وهل سنملك وسائل تسمح لجميع الناس النفاذ بشكل متساوي وشامل إلى المعرفة؟ الواقع أن تحقيق هذا الهدف هو أساس أي مجتمعات حقيقية للمعرفة لتكون مصدراً لتنمية بشرية مستدامة. ويمكن القول: إن مجتمع المعرفة لا يمكن أن ينهض إلا على أساس "اقتصاد المعرفة". وقد استعمل مفهوم مجتمع المعرفة لأول مرة عام 1969 بعد أن ابتدعه فيلسوف الإدارة الشهيرة بيتر دراكر، والذي قرر أنه لا يمكن تأسيس مجتمع المعرفة إلا إذا تبلور إقتصاد للمعرفة. واقتصاد المعرفة يعنى استخدام المعرفة لخلق قيم مادية وغير مادية. والتكنولوجيا -وخصوصاً تكنولوجيا المعرفة والذكاء الاصطناعي -تساعد على تحويل جزء من المعرفة إلى الآلات. وهذه يمكن- من خلال عملية صنع القرار في ميادين مختلفة- أن تنشئ قيماً اقتصادية. ومفهوم اقتصاد المعرفة الذي صاغه بيتر دراكر في كتابه عصر الانقطاعات The age Of Discontinuites يرجعه هو نفسه إلى الاقتصادى فريتز ماشلب Fritz Machlup بل يعود به إلى فكرة الإدارة العلمية التي صاغ مفاهيمها فريدريك تايلور. وإذا أردنا أن نفصل فى أبعاد مفهوم اقتصاد المعرفة لقلنا إنه يعني أن المعرفة والتعليم- والذي غالباً ما يُشار إليه بالرأسمال الإنساني- لقلنا إنه يتمثل في منتجات تعليمية أو فكرية تجديدية يمكن تصديرها مقابل عوائد كبيرة، ومن ناحية أخرى فالسمة الرئيسية لاقتصاد المعرفة هو اعتماده الكبير على الإمكانيات الفكرية أكثر من اعتماده على المدخلات الفيزيقية أو الموارد الطبيعية. وقد قام "دراكر" بتأصيل مفهوم اقتصاد المعرفة فى كتابه The effective Executive الصادر عام 1966، والذي أقام فيه معرفة أساسية بين العامل اليدوى Manual Worker والعامل المعرفى Knowledge، على أساس أن الأول يعمل بيده لإنتاج السلع والخدمات فى حين أن الثاني يعمل بعقله وليس بيده، وينتج أفكاراً ومعرفة ومعلومات. ولابد من توضيح الفرق الجوهري بين مجتمع المعلومات ومجتمع المعرفة، وذلك لأن المعلومات لا تُكوِّن بذاتها معرفة، والمعرفة تحتاج بصورة عامة إلى عقل نقدي يفاضل بين المعلومات ويميز بين الزائف منها والصحيح، ويستطيع أن يفاضل بين الآراء المختلفة ليفرز الذاتي من الموضوعي. وهناك اتفاق بين الباحثين على أن هناك عديداً من العوامل التي أدت إلى تغيير قواعد ممارسة الأنشطة الاقتصادية لا تؤثر تأثيراً كبيراً على المنافسة بين المشروعات وهي: 1- العولمة التي أدت إلى أن الأسواق والمنتجات أصبحت معولمة. 2- تعميق تكنولوجيا المعلومات. 3- الميديا الجديدة التى أدت إلى زيادة المنتجات وتوزيع المعارف والتي أدت فى النهاية إلى نشوء ما يطلق عليه الذكاء الجماعي Collective intelligence. 4- التشبيك الإلكتروني وزيادة القدرة على الاتصال. وفى ضوء هذه التطورات فإن السلع والخدمات يمكن أن تُنمى وتُشترى وتُتاح وفي أغلب الحالات تسلم عبر الشبكات الإلكترونية. كاتب ومفكر- مصر